فهل تذكر يوم كنا طفلين، حين كان من المألوف أن يزور الناس المقابر وفي أيديهم المصابيح؟ وهل تذكر أننا سألنا مرة عن الحكمة في حمل المصابيح في الليلة المقمرة، ليلة عيد القمر؟ فكان الجواب أن الأموات يأنسون بالأضواء!
فهل تسمح بأن أحمل مصباحا في هذه الليلة، وأخرج معك لزيارة المدفون من أوطارك وأحلامك؟ ولكن أين المقابر التي دفنت فيها أوطارك وأحلامك حتى أونسها بضوء المصباح؟ أين؟! لا أين، فإني أخشى أن تكون المقادير صنعت بأحلامك ما يصنع البحر بما يدفن فيه من سرائر القلوب.
حدثني أين دفنت أحلامك، فإني أعرف أنك قليل البخت في دنياك، ولو كان لك بخت لما جاز أن تبيت مشرد الأماني في ليلة عيد.
قلبي، قلبي!
يرحم الله غربتك بين القلوب.
قلبي!
أتذكر ما صنعت في سبيلك؟
لقد فررت بك من سعير الحب في القاهرة، ونقلتك إلى بغداد - دار السلام - فهل كانت بغداد يا قلبي دار السلام؟ أم كان اسمها من أسماء الأضداد؟
لقد تجهمت أبشع التجهم حين وقع البصر عليها أول مرة، واستقبلتني بوجه يتطاير منه شرر القسوة والوعورة، فقلت: لا بأس، فهي هدنة يستجم فيها قلبي، ليقوى على مناضلة العيون حين يرجع إلى القاهرة، ولكنك استوحشت وأخذت تفتش عن «عيون المها بين الرصافة والجسر» وقد انخدعت لك فتركتك ترود مراتع الغزلان وأنا آمن، فقد كنت سمعت أن بغداد لم يبق فيها للحب سامر ولا أنيس، ثم وقعت الواقعة، وأسرتك عيون المها بعد أسبوعين اثنين من قدومنا بغداد.
قلبي!
صفحة غير معروفة