لما وصل الخواجه كلدن وزوجته إلى الحدث لم يعجب المكان السيدة إميليا؛ لأنها كانت مضطربة النفس في سياحتها لا يعجبها شيء، فتضجرت وقالت: إن جبال كاليفورنيا أجمل من هذه الجبال. فأمر زوجها رجاله بالمبيت في الحدث تلك الليلة للراحة فقط، وبالسفر إلى الأرز في اليوم التالي؛ لأنه كان على ثقة من رضى إميليا عن الأرز أكثر من الحدث.
وفي المساء بلغ إميليا رغبة بعض الأهالي في أن يصنع زوجها (نهاره) عندهم فضحكت، وأبلغت زوجها هذا الخبر، وكان كلدن يعلم أن ذلك يسر زوجته جدا لميلها بالطبع إلى الشرقيين أبناء وطنها، فأمر وكيله أن يعد له ريالات عثمانية بقيمة ألف جنيه، وقال لأبي مرعب وقومه: «يس يس سنامل يووم كلدن في الهرز.» يعني: سنعمل يوم كلدن في الأرز.
ولم ينتصف الليل حتى صار عدد المتوافدين على الأرز نحو ألفي شخص، فلما رآهم سليم وكليم يتمددون على الأرض للرقاد بدون غطاء ولا فراش قال سليم لكليم: نحن ظننا أننا صنعنا أمس صنع الأبطال بنومنا تحت الأشجار على خرج تحت غطاء خفيف، فانظر إلى أصحابنا القرويين، فإنهم ينامون بلا خرج ولا غطاء كأن الأمر عندهم في غاية البساطة.
فأجاب كليم: هذا مصداق لقول روسو: يجب أن لا يربى الإنسان كشجرة تعيش في هذا الإقليم ولا تعيش في ذاك، بل يجب أن يجعل قادرا على المعيشة في كل الأقاليم، فحيثما ألقيته جاء واقفا على قدميه نشيطا قويا قادرا على احتمال كل تقلبات الحياة.
الفصل الثالث عشر
كيف يكون غضب النساء؟
وفي الصباح انتبه المستر كلدن مع غربان الأرز؛ لأنه - كجميع الرجال النشيطين - اعتاد التبكير، ولما نهض استدعى كاتم أسراره المستر كرنيجي وسأله: هل انتبهت لادي كلدن؟ فأجاب: كلا. فقال كلدن: خذ كرسيا يا مستر كرنيجي واجلس، هل ورد البريد الأخير؟ فأجاب كاتم الأسرار: نعم يا سر، قد أخذناه في الحدث، وهذه بضع رسائل تقتضي الجواب. فتناولها المستر كلدن بنشاط وأجال نظره فيها.
وبعد حين سأله: من هو كاتب هذا الكتاب؟ فأجاب كرنيجي: هو تاجر مشهور في بيروت، وهو يقول في ختامه إنه قادم لمقابلتكم للترحيب بكم والاتفاق معكم على الشروط. فقال كلدن: وما رأيك في طلبه؟ فقال كرنيجي: بما أنكم عزمتم على احتكار الشرانق والحرير في العالم، فمن الصواب أن تجعلوا لكم وكيلا وطنيا في سوريا ولبنان لابتياع الموسم.
فقال كلدن: وهل هذا الرجل مشهود بأمانته واستقامته؟ فضحك كرنيجي وقال: لقد أرسل مع كتابه شهادات من أعظم الرؤساء الدينيين والمدنيين حتى من بعض قناصلنا. وهذه الشهادات.
ثم إن كاتم الأسرار ألقاها على مائدة في وسط الخيمة.
صفحة غير معروفة