وأية سعادة أفضل من أن يرى الإنسان نفسه في مقتبل العمر وريعان الشباب، وبجانبه شخص هو موضوع حبه وانعطافه، وقد امتلأت رأسه بالآمال والأحلام اللذيذة.
فهذا كان حالي يا سيدي مع حبيبي موريس، ذلك الحبيب المخلص الذي أبى الدهر إلا أن يفصلني عنه ظلما وعدوانا، ويجرعني بعد فراقه من الذل والعذاب صنوفا وألوانا.
وماذا عساني أصف لك يا مولاي عن حقيقة هذا الحب الطاهر والهوى العذري، وأنت تعلم أن فيه لذة يشعر بها القلب، ويعجز عن وصفها اللسان.
ففي أيام الربيع الجميلة كنت أضع يدي تحت ذراع حبيبي موريس ونخرج كل مساء لترويح النفس واغتنام فرصة اللهو والسرور، فتسير بنا الأقدام ونحن لا نشعر ولا ندري، حتى إذا انتهينا وجدنا أنفسنا في وسط الخلا الفسيح والرياض الغنا، ولا نرى حولنا من الأمام والوراء إلا الخضرة والماء، وهناك ينطلق اللسان فيبث لواعج الحب، ويعبر عن عواطف القلب، وقصارى القول: إني يا سيدي كنت أشعر في ذلك الحين بلذة السعادة الحقيقية والعيشة الهنية، وأذوق طعم الحب الخالص، الحب الذي تشعر به فتاة قد ناهزت السابعة عشر من عمرها، وما أحلى هذا العمر، وما أطيبه؛ فإنه زهرة الحياة ونضارتها، ومحط رحال الصفاء والهناء؛ إذ فيه تتوفر شروط الصحة والعافية، وتمتلئ الرءوس من الآمال والأحلام، فآه يا سيدي، إني كلما تذكرت هذه الأمور ضاقت في وجهي سعة الفضاء، وتعجبت كيف أني إلى الآن لم أزل في عالم الأحياء!
الفصل الثالث
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
يا أيها الناس من كان الزمان له
صفحة غير معروفة