وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

عادل مصطفى ت. 1450 هجري
128

وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس

تصانيف

كانت نهاية الجاذبية الواسعة لحركة اليوجينيا سريعة إلى حد ما، ولكن من المهم أن نلاحظ أن أفول الحركة لم يكن بسبب مآخذ علمية بالدرجة الأولى (وإن تنامت انتقادات النظريات اليوجينية بالفعل طوال الثلاثينيات من القرن العشرين). إنما كان الموت المفاجئ لحركة اليوجينيا نتيجة لتنامي الفهم والامتعاض تجاه اللاإنسانية التي تستلزمها السياسات اليوجينية.

في أمريكا الشمالية تأثرت بعض السياسات بالأيديولوجية اليوجينية وما يزعم أنه «معطيات علمية». فقانون الهجرة الأمريكي لعام 1924م خفض حصص الهجرة من البلاد التي يزعم أن مواطنيها لديهم درجات كبيرة من القصور الموروث في الذكاء والأخلاق. وبحلول الأعوام الأولى من القرن العشرين كانت معظم الولايات في أمريكا قد شرعت تحديدات للزواج على المتخلفين عقليا لأسباب يوجينية صريحة، وامتدت هذه التحديدات إلى تحديدات على الزواج بين-العنصري

interracial . أعقبت ذلك محاولات لتحديد النسل من خلال التعقيم. وقد شرعت 22 ولاية التعقيم القسري، فنتج عن ذلك حوالي 20000 حالة تعقيم قانوني في أواسط الثلاثينيات. وشرعت كندا بالمثل تعقيمات إجبارية في ولايتين.

وقد خفت رعب السياسات اليوجينية بأمريكا الشمالية في النهاية إثر صعود الاشتراكية القومية في أوروبا واعتناقها المعلن للأيديولوجيات العنصرية اليوجينية. فرض النازيون تحديدات على الزواج، تبعتها برامج تعقيم بحجم غير مسبوق بلغت ذروتها في الإبادة المنظمة للعناصر غير المرغوب فيها (مثل اليهود، الغجر، المعاقين، المثليين). وقد كان حجم المذبحة التي ارتكبها النازيون هو الذي ألهم عامة الناس والأغلبية الساحقة للمجتمع العلمي أن يرفض الأيديولوجية اليوجينية بأكثر مما فعل أي تفنيد علمي على الإطلاق، من الواضح أن هناك أسبابا كثيرة وراء صعود اليوجينيا، ولكننا نؤكد أن هذه الأهوال ما كانت لتحدث لولا أن فكرة تحسين الجميعة الجينية راقت قطاعا عريضا من السكان؛ لأن المنطق الذي تقوم عليه قد تجاوب مع تحيزات الناس الماهوية الجينية.

ورغم كل هذه الارتباطات السلبية العميقة لدى الكثيرين عن اليوجينيا فقد استمر التقدم الملحوظ في البحث الجيني، واضطرنا إلى أن ننظر في طرائق جديدة لتحسين حياة الناس. لقد أدى الفهم المتنامي للجينات من حيث التعرف عليها وتناولها إلى فتوحات علمية جديدة مثل التدخل الغذائي لعلاج اضطرابات وحيدة الجين مثل الفينيل كيتونوريا

phenylketonuria ، والاستئصال الوقائي للثدي لحاملات الأليلات المرتبطة بسرطان الثدي، والعلاج الجيني التجريبي لأمراض مثل نقص المناعة، والتشخيص الجيني المسبق لأمراض مثل

Tay-Sachs

في الأجنة ... إلخ. وجه الأمر هنا أن الناس عندما تفهم الجينات كسبب تحتي لمآلات الحياة فإنها ترغب غالبا في التحكم في جيناتها بحيث تحسن تلك المآلات.

من الحق أن مثل هذه التقنيات الجينية ذات فائدة هائلة في تحسين حياة الناس؛ غير أننا نلفت النظر هنا إلى كلفة لهذه الفتوحات قلما التفت إليها أحد: لقد دعمت التحيزات الماهوية لدى الناس وألقت في روعهم أن مصدر مشكلات الحياة ومصدر حلها يقبع في جيناتهم، وزينت لسير فرنسيس كريك

F. Crick

صفحة غير معروفة