وقد جاء في قاموس (الآثار النصرانية ص 3125) أن هذا الدير أقيم على موقع سكنى القديس مقار. فاذا صح ذلك يكون محل هذا الدير صحراء شيهات.
وكان وادي النطرون يخيم على ربوعه السكون والطمانينة طول حياة القديس مقار، لأن البربر لم يشنوا غاراتهم على هذا الوادي إلا بعد وفاته. ومع أن هذا القديس لم يشهد هذه الحوادث فقد رووا أنه تنبأ بها قبل وقوعها وبالخراب الذي سيحل بهذه المنطقة.
وكان الرهبان في الأيام الأولى من قدومهم صحراء النطرون يقيمون في مساكن غير محمية بأي نوع من أنواع الحماية كما سبق ذكر ذلك. وقد يحمل هذا الأمر على الاعتقاد بأن السكينة في هذه الصحراء كانت تامة شاملة. ومع هذا فقد يحتمل أيضا أن هذه الصحراء كانت هادئة آمنة قبل قدوم الرهبان اليها، إذ كان لا يوجد بها من الغنائم ما يجعل البربر يطمعون فى غزوها. وفعلا لم يشن هؤلاء غاراتهم عليها إلا بعد قدوم الرهبان اليها وكثرة عددهم بها. وعلى أى حال لم يمض وقت قليل على وفاة القديس مقار حتى بدأ البربر يشنون الغارات عليها.
ويمكننا تعيين أول غارة شنوها على هذه الصحراء من سيرة القديس أرسانيوس الشماس الذي تنسك في برية شيهات. فقد جاء في كتاب (قديسو مصر ج 2 ص 199) في موضوع من سيرته أن أرسانيوس هذا توفى عام 445م. وجاء في موضع آخر منها أنه قضى قبل وفاته عامين في دير طرا، وقضى قبلها ثلاثة في جزيرة كانوب، وعشرة في دير طرا نفسه، وأنه قضى هذه الاعوام كلها بعد الغارة الثانية للبربر التي وقعت بعد غارتهم الأولى بعشرين عاما.
فتكون أول غارة لهم على وادي النطرون قد حدثت قبل وفاة القديس أرسانيوس بخمسة وثلاثين عاما أي سنة 410م عندما كان تيوفيلس “Théophile”
بطريركا. وتيوفيلس هذا هو البطريرك الثالث والعشرون من عدد البطاركة (385-412).
وان تعييننا غارة البربر الأولى في سنة 410م جاء مطابقا لتقدير أميلينو “Amélineau”
لها. فقد ذكر في مقدمة كتابه (تاريخ أديرة مصر السفلى ص 60 و61) ما ذهب اليه كاترمير “Quatremere”
من وقوع هذه الغارة في أواخر القرن الرابع الميلادي ثم دحضه بالكيفية الآتية فقال:
لوأن هذه الغارة وقعت فعلا في أواخر القرن الرابع الميلادي لكان قد علم بها بوستيميانوس “Postumianus”
صفحة غير معروفة