الوعي: دليل موجز للغز الجوهري للعقل

آناكا هاريس ت. 1450 هجري
21

الوعي: دليل موجز للغز الجوهري للعقل

تصانيف

17

تحتوي الأبحاث المنشورة عن انقسام الدماغ على العديد من الأمثلة التي تشير إلى أن ثمة وجهتي نظر واعيتين يمكن أن توجدا في دماغ واحد. وأغلب الدراسات تسقط أيضا المفهوم النمطي للإرادة الحرة، من خلال الكشف عن ظاهرة أنشأها نصف الدماغ الأيسر، وأطلق عليها جازانيجا وزميله جوزيف ليدوكس «المترجم الشفهي».

18

تحدث هذه الظاهرة عندما يتخذ نصف الدماغ الأيمن إجراءات بناء على المعلومات التي يمكنه الوصول إليها والتي لا يصل إليها نصف الدماغ الأيسر، ثم يقدم النصف الأيسر شرحا فوريا وكاذبا لسلوك مريض انقسام الدماغ. فعلى سبيل المثال، عندما يعطى نصف الدماغ الأيمن الأمر «ارحل من هنا» في إحدى التجارب، فإن المريض سوف يقف ويبدأ المشي. لكن عند سؤاله عن سبب مغادرته الغرفة، سوف يقدم تفسيرا مثل «أوه، أنا بحاجة إلى تناول مشروب». إن نصف الدماغ الأيسر ، المسئول عن الكلام، غير مدرك للأمر الذي تلقاه الجانب الأيمن، ونحن لدينا كل الأسباب التي تجعلنا نعتقد أنه في الحقيقة يعتقد أن عطشه كان السبب في أنه وقف وبدأ في المشي. وكما في المثال الذي تمكن فيه القائمون على التجربة من إحداث شعور بالإرادة لدى أشخاص لم يكونوا في الواقع يتحكمون في تصرفاتهم؛ فإن ظاهرة «المترجم الشفهي» هي تأكيد إضافي على أن شعورنا بأننا ننفذ تصرفات إرادية واعية هو على الأقل في بعض الحالات مجرد وهم محض.

لكن بغض النظر عما تخبرنا به أبحاث انقسام الدماغ عن الإرادة الواعية، فإن الفكرة الأساسية الأكثر صلة بمناقشتنا هي أن: مجموعات مختلفة من النوايا والمقاصد لدى مريض انقسام الدماغ يبدو أنها معزولة بعضها عن بعض في جزر منفصلة ومتمايزة من الوعي. في مثال المعركة التي تخوضها المريضة مع نفسها على إغلاق أزرار القميص بيد وفتحها باليد الأخرى، يشعر أحد الجانبين أن يدها اليمنى يتحكم فيها «شخص آخر»، شخص يكافح لمنعها من ارتداء القميص الذي اختارته. الجانب الآخر يرفض اختيارا سيئا للملابس اتخذه «شخص آخر». وفي لحظات كهذه، يتصرف مريض انقسام الدماغ (وربما يشعر) وكأنه توءمان ملتصقان وليس شخصا واحدا.

في كتابه «السيد ومبعوثه»، حول نصفي الدماغ، يصف الطبيب النفسي إيان ماكيلكريست أطروحته المثيرة للاهتمام حول إمكانية أن الوعي ينشأ على عمق أكبر بكثير في بنيات الدماغ مما يعتقد العلماء عادة:

يبدو لي أنه من الأنفع التفكير في الوعي لا باعتباره شيئا ذا حواف حادة نصل إليه فجأة بمجرد أن يصل المرء إلى قمة الأداء العقلي، ولكن باعتباره عملية تدريجية، بدلا من «كل شيء أو لا شيء»، وهو يبدأ منخفضا في الدماغ. ... المشكلة إذن لا تكمن في كيف يمكن أن تصبح إرادتان وعيا موحدا، ولكن كيف يمكن لمجال وعي واحد أن يستوعب إرادتين. ... إن الوعي ليس طائرا، كما يبدو غالبا في الأدبيات - يحوم على نحو منفصل ويأتي من مستوى علوي هابطا على الدماغ في مكان ما في الفصوص الأمامية - بل هو شجرة ضاربة بجذورها في أعمق أعماقنا.

19

إن الاكتشافات التي تحققت من خلال أبحاث انقسام الدماغ والتطورات الأخرى في علم الأعصاب الحديث، قد أدت بالكثيرين إلى طرح السؤال التالي: هل ثمة نسخة من انقسام الوعي تحدث في أدمغة غير منقسمة ماديا؟ هل ثمة مراكز أخرى للوعي، حتى ما قد نفكر فيه على أنه عقول أخرى، أقرب منا أكثر مما نعتقد؟ قد لا يكون من المستحيل تخيل وجود «مراكز»، أو «تكوينات»، أو «تدفقات» مختلفة من الوعي توجد بالقرب بعضها من بعض، أو تتداخل حتى في جسم بشري واحد.

الفصل السادس

صفحة غير معروفة