قال رباح: إن كنت إنما تريد إذلالها وامتهانها وإذلال سادة الحبشة وقادتها فاجعلها زوجا لغلام زنجي من غلمانك.
قال خلف: قد فعلت، فكن لها زوجا منذ الآن، وإذا ارتفع الضحى فاضمم أهلك إليك.
وكان الزنجي في خطته هذه ماهرا ماكرا، ولعله لم يمكر بسيده قبل يومه ذاك ولم يكذب عليه، فقد عرف من شأن الأميرة ما عرف، واستبان له أن سيده يريد أن يسومها الخسف،
128
وشق عليه ذلك، وقدر في نفسه أن يعمل ما استطاع لصيانتها مما يدبر لها من الهوان، فلم يهتد إلا إلى هذه الخطة. فلما رأى أن الأميرة قد أصبحت له زوجا طابت نفسه واطمأن قلبه ورضي ضميره، وعرف أنه سيضمها إليه، وسيتخذها لنفسه صنما يخلص له الحب، ويؤثره بالود، ويقدم له من آيات الإكبار والإجلال ما يستطيع مثله أن يقدم لمثلها في هذه الحال السيئة التي هما فيها، وعسى الأيام أن تحدث بعد ذلك أمرا.
وضم رباح زوجه الأميرة إليه، فأسكنها داره الفقيرة الحقيرة، وجد في إكرامها والرفق بها، واختصها بكل ما استطاع أن يخصها به من المحبة والمودة والتوقير، يغدو عليها بما تحب، ويروح عليها بما تحب، ويجنبها ما تكره
129
أثناء النهار، فإذا كان الليل وآن له أن يأوي إلى مضجعه ألقى وسادة من وراء باب البيت ورمى نفسه عليها، وأنفق الليل نائما أو يقظان يعنى بزوجه ويسهر عليها، لا يمسها ولا يدنو منها.
وقد أقبلت الفتاة على زوجها مذعنة مستكينة،
130
صفحة غير معروفة