نار من الحقد تفتك به، نار من داخله، لا سبيل أن يصل إليها شيء إلا ما يزيدها أوارا واشتعالا.
يخرج يسري في كل يوم إلى ظاهر القرية، وينظر إليها في كره شديد، وألم عميق، ومرارة قاتلة، ويظل قابعا منزويا كوحش كسير ، يحاول أن يتربص بأعدائه المصائب، فتخذله الذلة، ويقعد به الهوان.
وبينما هو كذلك، سمع جوادا يركض، ويهز الأرض بأقدامه، واقترب الصوت واقترب، حتى تكشف عن الحصان وراكبه، أما الحصان فمجنون أرعن، وأما صاحبه فخائف هالع. - أين أنا؟ - لا أدري. - ألا تعرف اسم القرية التي أنت منها؟ - المنشية، من أين أنت قادم؟ - لا شأن لك، أتشتري هذا الحصان؟ - ماذا؟ - ألم تسمع، لا وقت عندي للدلع.
حصان! أيشتري هو حصانا؟
وما البأس؟! وأي شيء سيجعل أهل القرية يحسنون به خيرا من هذا الحصان؟! الحصان جاء، الحصان ذهب. ليس في القرية من يملك حصانا، ولكنهم لن يقولوا يسري جاء أو ذهب، الحصان فقط. لا بأس أيضا، يكفي أن يذكرهم الحصان به. - ولكن هذا الحصان مخيف، أراه لا يكف عن الحركة العنيفة! - هذا دليل الحيوية. - الكثير منها يقتل! - أنت صاحبه، اخدمه يخدمك. - ولكن لماذا تريد أن تبيعه؟ - أهو تحقيق؟ - لعلك سرقته. - وافرض. - قد يراه صاحبه فأخسره. - اسمع، الأمر المؤكد أن صاحبه لن يحاول أن يسترده. - ها أنا ذا، أركبه أمامك، وأعرضه عليك، ولا وقت عندي للكلام الكثير، أتشتري أم أمشي؟ - كم تريد فيه؟
واشترى يسري الحصان، وحاول أن يركبه فنفضه الحصان نفضة عنيفة إلى الأرض، أحس معها أن عظامه تنسحق، فسحب الحصان ومشى يتكفأ حتى بلغ منزله في عتمة من الليل.
وأدخل الحصان إلى حجرة نومه الخاصة، وذهب إلى حيث السكر، فأحضر جميع ما في البيت منه.
وبعد أسبوع استطاع يسري أن يركب الحصان، بعد أن أنس إليه.
وفعلا بدأت القرية تتكلم عن الحصان، ولكنها - كما توقع يسري - لم تتكلم عن يسري.
كان يسري يربط الحصان في الغيط مع جاموسته، ويذهب إلى ما يبتغي من أعمال. وبينما هو جالس في بيته، إذا بشخص يعدو إليه. - يسري. - نعم. - حصانك قتل عبد السميع. - ماذا؟ - حاول عبد السميع أن يركبه فجرى حتى ألقاه في الترعة وأغرقه.
صفحة غير معروفة