ما كنت لأسر بشيء كما سررت بكتابك، وكدت أقول كما قال الشيخ سمعان «الآن تطلق عبدك يا سيد بسلام.» فقد اخترت من كنت واثقا أنه أصلح لراحتك من كل أحد، ولأنني كنت مقتنعا بذلك تمام الاقتناع كنت أخشى ألا يتم؛ لأن الدهر كثيرا ما يعكس الآمال.
وأنت في منصبك السياسي المحفوف بالمتاعب لا يمكنك أن تستغني عن الراحة والسعادة اللتين يجدهما الإنسان في بيته، وأنا واثق أن في ألبرت من المناقب ما يلزم لسعادتك وما يناسب أخلاقك وطبعك.
ولقد قلت إنه يخسر كثيرا إذا اقترن بك ، وهذا صحيح من وجوه كثيرة؛ لأنه يكون في مركز حرج جدا، ولكن خسارته وربحه يتوقفان عليك، فإن كنت تحبينه وتكرمينه سهل عليه ما يجده في هذا الموقف الحرج، وهو صبور رضي الأخلاق فلا يصعب عليه ذلك.
وقد استحسنت رأيك في كتم الأمر إلى حين اجتماع البارلمنت؛ لأن جمع أعضائه الآن ليس بالأمر السهل عليهم.
وكتب البرنس ألبرت بعد ذلك بأيام إلى جدته يقول:
جدتي العزيزة
أخذت القلم ويدي ترتجف؛ لأنني أخشى أن ما سأخبرك به يجعلك تفتكرين بأمر آخر يؤلمك كما يؤلمني وهو الفراق، فقد تم الأمر الذي كنا نتذاكر فيه. استدعتني الملكة منذ أيام، وقالت لي صريحا إنني أنيلها أقصى السعادة إذا أمكنني أن أقاسمها سراء الحياة وضراءها، ولو كان في ذلك خسارة كبيرة علي، وقالت إن الأمر الوحيد الذي يكدر صفاء عيشها هو أنها لا تحسب نفسها أهلا لي، قالت ذلك على أسلوب سحر لبي ببساطة فلم أر لي بدا من التسليم لها، وإني أثق أننا سنعيش عيشة راضية.
وكتب إلى البارون ستكمار يجيبه على كتاب بعث به إليه، فقال:
تمت نبوءتك بأسرع مما كنا ننتظر، وقد حفظت وصيتك الصالحة من قبيل الأساس الذي تبنى عليه راحتي وسعادتي، وهذه الوصية تنطبق على المبادئ التي اتخذتها أساسا لأعمالي؛ أي أن أكون في آدابي وسلوكي مستحقا لرضا الملكة وشعبها وحبهم وثقتهم، فإذا كنت كذلك وبدا مني قصور أو تقصير وجدت من يقيل عثرتي؛ لأنه مهما كانت الأعمال عظيمة والغايات نبيلة لا يرتفع بها مقام المرء ما لم يكن فيه من الأخلاق ما يحمل الناس على الثقة به، فإذا أثبتت أعمالي أني أمير نبيل كما تنتظر مني سهل علي السلوك الحسن المقرون بالحكمة والسداد، واجتنيت ثماره الصالحة، وإني أراني شديد العزيمة لكي أتحلى بأفضل المناقب ولكن لا بد لي من النصح الصالح ومن أقدر منك عليك، فحبذا لو استطعت أن تنقطع إلى إرشادي ولو في السنة الأولى من قيامي في هذه البلاد.
هذه كتابة شاب في العشرين من عمره، وغني عن البيان أن من كان في هذا السن وبدت منه هذه الشمائل وخط قلمه هذه الحكم؛ حيث لا داعي إلى التصنع والمراءاة لجدير بأن توسد له المناصب السامية ويكون شريكا لأعظم ملكة ورئيسا على بيتها.
صفحة غير معروفة