يصاحب النص نقش للمقاطعات السبع الشقيقة وأمراء ناساو أورانج راكعين في تبجيل وصلاة أمام قبعة الحرية الهولندية الموضوعة على سارية أسفل راية مكتوب عليها اسم الرب المقدس المذكور في الكتاب المقدس في سحابة من المجد. في ذلك الوقت، أصبح التناظر بين «هولندا وإسرائيل» على المستوى الوطني سمة أساسية في سياسة هولندا، ونشر إلى العامة على نحو موسع من خلال المطبوعات والمنشورات الرخيصة. وفي منتصف القرن، كون الحزب الكالفيني، بدعم من أسرة أورانج الحاكمة، برنامجا سياسيا يقوم على قومية العهد لم يتضمن فقط التحرر من السيطرة الأجنبية، بل تضمن كذلك وحدة المجتمع من خلال التوافق الديني والانضباط الأخلاقي القوي، بما في ذلك وصية حفظ السبت الصارمة، وقوانين الترف، وحرية الكنيسة، والحكم القوي الملتزم بإكمال الحرب على إسبانيا وأعداء الجمهورية الآخرين في أوروبا أو خارجها وتطهير الجمهورية من أعدائها الداخليين.
44
لم تكن إنجلترا، واسكتلندا، وهولندا بأي حال الأمثلة الوحيدة على الإصلاح الذي يغذي نوعا حيويا من قومية «العهد»، بل يمكننا العثور على أمثلة أخرى في مستوطنات الاسكتلنديين الموجودين في أولستر في شمال أيرلندا، وفي مستعمرات أمريكا الشمالية، ولاحقا بين الأفريكان بعد الرحلة الكبرى. كان ذلك الجزء من الاتحاد السويسري الذي يضم زيورخ وبيرن وبازل يحظى بأهمية خاصة؛ إذ اتفقت فكرة العهد مع التقاليد السويسرية المتمثلة في اتفاقيات الدفاع المشترك بين الكانتونات التي تعود إلى أواخر القرن الثالث عشر، وكانت الوصايا العشر وشريعة موسى تلقى احتراما كبيرا في ذلك الجزء من الاتحاد. ورغم ذلك، نجح المصلحون هنا وفي ألمانيا وبولندا والمجر في الاستحواذ على أجزاء من المجتمع اللغوي والسياسي، وفي بعض الأحيان كان نجاحهم هذا لفترة مؤقتة فحسب، بينما هزموا وطردوا في نهاية المطاف في بوهيميا وفرنسا.
45
في الأماكن الأخرى، ساد «الإصلاح المدعوم من الحكام» الذي يمثل الجناح اللوثري الأقل حدة من الناحية السياسية. في إسكندنافيا كان الملوك مسئولين عن هذه المبادرة، فكان الملك فريدريك الثاني والملك كريستيان الثالث هما المسئولين في الدنمارك والنرويج، وكان الملك جوستافوس فاسا هو المسئول في السويد. وكما هو متوقع، فقد أسفر ذلك عن تأكيد أقوى للسيادة الملكية وللدولة المطلقة، إلا أن هذا كان له مقابل في تلك البلاد؛ ففي الدنمارك حدث قبول سريع للوثرية الإنجيلية مدعوم بترجمة للكتاب المقدس إلى اللغة الدنماركية عام 1550، وفي السويد ظهرت حركة للتعليم اللوثري تدريجية إلى حد بعيد، كان يرأسها أولويس بيتري ولاورنسيوس بيتري اللذان مهدت كتاباتهما الدينية وقوانينهما الكنسية الصادرة عام 1562 وعام 1571 الطريق أمام الموافقة على اللوثرية باعتبارها دينا قوميا في أحد المجالس الكنسية العامة عام 1593.
46 (6) أمم عهدية، قومية عهدية؟
بحلول أوائل القرن السابع عشر كان العديد من عمليات تكون الأمم يسير بإعداد جيد في شمال ووسط وغرب أوروبا. وتضمن ذلك التعريفات الذاتية والاعتراف بالأسماء الرسمية للممالك وسلالات شعوبها، وترسيخ الذكريات والرموز والأساطير والتقاليد بدرجات متفاوتة، وتزايد أقلمة الذكريات العرقية والارتباطات الشعبية بالممالك والمقاطعات الإقليمية، وخلق ثقافة نخبوية عامة ونشرها مبدئيا بين الطبقات الأخرى، وتكوين عادات مشتركة وتوحيد الأنظمة القانونية عبر الممالك والمقاطعات المستقلة. وكما رأينا، فإن هذه العمليات أسفرت عن قدر معين من الهوية القومية والمشاعر القومية بحيث أصبح من الممكن التحدث عن الأمم الهرمية، لكن تلك الهوية والمشاعر كانت مقتصرة على النخب الحاكمة والمثقفة.
أصبح الآن الشعور بالهوية القومية أكثر قوة وانتشارا بين قطاع أكبر من النخب من خلال تأكيد السيادة الملكية في الدول التي انشقت عن البابا والنظام الديني الكاثوليكي وتبنت أحد الأنواع المختلفة للبروتستانتية. حتى في البلاد التي تبنت عقيدة وليتورجية إنجيلية أقل حدة من الناحية السياسية لم يتمكن السكان في مجملهم من الإحجام عن التورط أو التحرك إلى حد ما لدعم التغيرات العقائدية والليتورجية أو مناهضتها، ودعما لملوك وأمراء بروتستانتيين معينين أو معارضة لهم؛ لذلك، كما هو مفهوم، اجتاح الالتزام المحموم بالأفكار والممارسات اللوثرية الصادرة عن المدن الألمانية الشمالية المجاورة منذ فترة مبكرة، تعود إلى أواخر عشرينيات القرن السادس عشر؛ أعدادا كبيرة من الفلاحين وسكان الحضر، وكانت تلك الحركة هي ما ساعدت أولا فريدريك الثاني وبعده كريستيان الثالث في كسر شوكة النبلاء ورجال الدين الكاثوليك، وساعدت أيضا في دعم السيادة الملكية، ومن ثم إرساء أسس الدولة المطلقة لاحقا.
47
في حالات مثل الدنمارك، والسويد وإن كانت لدرجة أقل، كانت نتيجة الإصلاح هي تقوية الأمة الهرمية وتوسيع نطاقها، دون أن يسفر ذلك عن أي حركة شعبية أو منتمية إلى الطبقة الوسطى الواسعة النطاق ساعية إلى استقلال ووحدة وهوية الدولة البروتستانتية. ورغم ذلك، في حالات أخرى مثل اسكتلندا وهولندا وشمال سويسرا وترانسلفانيا تضمن تبني أحد أنواع الإصلاح البروتستانتي الأكثر راديكالية، سواء إصلاح زفينجلي أو كالفين، قدرا أكبر من الحراك الشعبي الذي وصل في بعض الحالات إلى حركة محددة للقومية البروتستانتية. وكان هذا راجعا إلى عدة عوامل، منها: تكون مفهوم الاستقلال القومي والنضال من أجله في فترة سابقة، وطابع النظام الحاكم والإداري، وطبيعة النخب المتنافسة، ومكان المملكة أو الدولة المدينة أو المقاطعة داخل شبكة الكيانات السياسية والنظم الاقتصادية المتنافسة التي تضم تلك الدول. لكن لعل العامل الحاسم في تكوين قومية بروتستانتية شعبية واسعة النطاق هو النشاط السياسي لكنائس المصلحين التي نشأت عن القمع الذي لاقاه المصلحون على يد الملوك والكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وكذلك عن الإلهام الذي استوحوه من العودة إلى العهد القديم وسرده لقصة الخروج والعهد لإسرائيل القديمة.
صفحة غير معروفة