84

على الوجوب إنما هو بمساعدة مقدمات الحكمة كسائر المطلقات.

توضيحه : أن الوجوب عبارة عن الإرادة المطلقة الصرفة المتوجهة نحو الفعل ؛ ضرورة أن نفس الإرادة مع عدم انضمام الترخيص في الترك إليها كافية في إعدام جانب العدم من غير حاجة إلى زيادة ، بل تجويز جانب العدم الذي هو الندب يحتاج إلى زيادة الترخيص في الترك إلى الإرادة ، ففصل الوجوب عدمي وفصل الندب وجودي وليس المناط هو الشدة والضعف ؛ ضرورة تحقق الضعف في الوجوب أحيانا كالشدة في الندب ، وأيضا هما متحققان في الإرادة الفاعلية مع عدم اتصافه بالوجوب والاستحباب ، فسر عدم اتصافها بهما عدم مجامعتها للترك ، بل متى تحققت وقع الفعل عقيبها بخلاف الأمرية ، وأما جعل الفصل في الوجوب أمرا وجوديا وهو المنع من الترك وفي الندب أمرا عدميا وهو عدم المنع منه فلا وجه له ؛ إذا لمنع من الترك عبارة عن طلب ترك الترك وهو عين إرادة الفعل.

والحاصل : أن مفاد الهيئة هو الإرادة المقسمية ولها قسمان : الإرادة المطلقة الغير المقيدة بالترخيص في الترك وهي المسماة بالوجوب ، والإرادة المقيدة به وهي المسماة بالندب، فحمل الهيئة عند عدم القرينة على القسم الأول يحتاج إلى مقدمات تسمى بمقدمات الحكمة.

منها كون المتكلم في مقام إظهار مراده اللبي الجدي النفس الأمري وبيانه ؛ فإن من الواضح أن مراده اللبي لا يخلو إما أن يكون هو المطلق أو المقيد ؛ ضرورة عدم خلو الموجود في النفس منهما ، وحينئذ فإن كان مراده اللبي هو المقيد فلا بد من ذكر قيده الوجودي في اللفظ لئلا يلزم نقض الغرض ، فإذا لم يذكر علم أن المراد هو المطلق ، فإن أصل المعنى المقسمي قد استفيد من اللفظ ، وعدم القيد قد احرز من عدم ذكر القيد الوجودي ، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن المقام مقام البيان ؛ فإنه ربما لا يكون المطلوب إظهار تمام ما هو المراد اللبي بل يقتضي المقام الإهمال والاكتفاء بصرف ما هو مفاد اللفظ لغة كما في قول الطبيب: لا بد لك من شرب الدواء ، فإنه حينئذ لا بد من التوقف والرجوع إلى الأصل العملي.

صفحة ٨٧