112

يكون قيام الأمارة سببا لحدوث مصلحة في مؤداها ؛ فإن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها وهي تختلف باختلاف الوجوه والاعتبارات ، وكوننا ظانين بصدق الراوي صفة من صفاتنا كالاضطرار ، وكون الفعل مما أخبر بوجوبه الثقة مثلا صفة من صفاته ، فيمكن أن يحدث فيه بواسطة هذه الصفة مصلحة تكون هي أقوى من مصلحة الواقع في نظر الشارع على تقدير مخالفته للواقع.

الثاني : أن يكون على وجه الطريقية بأن يكون المتعلق للحكم والمصلحة أبدا هو الواقع من دون أن يكون في نفس سلوك الأمارة مصلحة ، إلا أنه لما اقتضت الحكمة تسهيل الأمر على المكلفين ونصب الطرق الموصلة إلى الواقع لهم جعل الشارع هذه الطرق طريقا إليه ، فإن عمل بها المكلف وكانت مؤدية إلى الواقع فهو ، وإن كانت مؤدية إلى خلافه فالمكلف صفر اليد عن المصلحة أصلا لكنه معذور كالجاهل المركب ، وبناء العلماء في هذه الأزمنة على هذه الوجه كما يأتي إنشاء الله في جواب ابن قبة.

فعلى الأول الكلام هنا هو الكلام في الأحكام الواقعية الثانوية بحسب مقام الثبوت ، فيجري الأنحاء الخمسة السابقة هنا ، والفرق بينهما في ثبوت الدليل هناك في مقام الإثبات وعدمه هنا ؛ فإن الأصل أعني السببية لا دليل عليه والتكلم فيه إنما هو على وجه البناء ، فالفرع وهو كونها على وجه يوجب الإجزاء وعدمه كذلك بطريق أولى ، فيتعين الرجوع في مقام العمل إلى الأصل ، وأما أنه البراءة أو الاشتغال فسيأتي بيانه.

وأما على الثاني فلا وجه لسقوط الأمر الواقعي بموافقة الأمر الظاهري مع انكشاف المخالفة في الوقت ؛ لوضوح أن سقوط الأمر إما أن يكون من جهة الإطاعة وهي مفروض الانتفاء في المقام وإما أن يكون من جهة العصيان وانقضاء الوقت وهو أيضا مفروض العدم هنا ، وإما أن يكون من جهة عدم بقاء المحل للأمر الواقعي مع موافقة الأمر الظاهري ، وهذا وإن كان محتملا ، لكن الأصل وحكم العقل هو الاشتغال.

صفحة ١١٥