والظاهر من هذين الوجهين هو الأول ، والدليل عليه أنا نقطع بأن العقلاء ما دام للمتكلم أن يضم اللواحق بكلامه الواحد لا يحكمون بشيء ، بل إذا انقضى هذا الزمان يتأملون أولا في أن المستفاد من مجموع أجزاء الكلام ما ذا ثم يحكمون بأنه مراد المتكلم ، وهذا كاشف عن أن المقتضي عندهم ليس هو ذات اللفظ بل هو بوصف التجرد عن القرينة.
فصل في الإجزاء
الإتيان بالمأمور به على وجهه وبلا زيادة ونقيصة موجب لسقوط الأمر ، ولا يعقل مع ذلك بقائه ؛ لكونه طلبا لتحصيل الحاصل من دون فرق في ذلك بين التوصلي والتعبدى ، وأما وجوب الإتيان ثانيا في التعبديات لو أخل بقصد القربة فإما من جهة اعتبار ذلك في المأمور به ، وإما من جهة تعلق الأمر بالإتيان بالفعل ثانيا بعد سقوط الأمر الأول ؛ لعدم حصول الغرض الأصلي ، وقد عرفت تفصيل ذلك فيما تقدم.
ولا بين العناوين الأولية للمكلف والثانوية ، ولا في الثانية بين ما يكون من قبيل الاضطرار كفقدان الماء بالنسبة إلى الأمر بالتيمم وما يكون من قبيل الشك ، كالشك في وجوب السورة بالنسبة إلى الأمر بالصلاة بلا سورة ، ويسمى الأوامر المتعلقة بالاولى بالواقعية الثانوية ، لكون موضوعها هو العاجز عن الإتيان بالواقع الأولي ، والأوامر المتعلقة بالثانية بالظاهرية ؛ لكون موضوعها هو الجاهل بالواقع والشاك فيه.
فمن كان تكليفه الصلاة قاعدا إذا أتى بها كذلك فلا شك في سقوط الأمر بالصلاة قاعدا عنه ، ولا إشكال لأحد في ذلك كله ، سوى ما مر من تصوير عدم السقوط في التعبدي لكون الغرض متعلقا بالأخص ، وعرفت دفعه وأنه لا محيص عن الإشكال إلا بالالتزام بتعدد الأمر أو بتقيد متعلقه بأحد الوجهين السابقين.
صفحة ١١٠