وقال في كتابه في الأصول (1): اعلم أن الأصل خلو الذمة عن الشواغل الشرعية فإذا ادعى مدع حكما شرعيا جاز لخصمه ان يتمسك في انتفائه بالبراءة الأصلية فيقول:
لو كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعية لكن ليست كذلك فيجب نفيه، ولا يتم هذا الدليل الا ببيان مقدمتين: إحداهما انه لا دليل عليه شرعا بان يضبط طرق الاستدلالات الشرعية ويبين عدم دلالتها عليه، والثانية ان يبين انه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلت عليه إحدى تلك الدلائل لأنه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلف إلى العلم به وهو تكليف بما لا يطاق، ولو كان عليه دلالة غير تلك الأدلة لما كانت أدلة الشرع منحصرة فيها لكن بينا انحصار الاحكام في تلك الطرق، وعند هذا يتم كون ذلك دليلا على نفي الحكم، انتهى كلامه (2).
وأقول: هذا انما يصح إذا أريد بنفي الحكم نفيه بالنسبة إلينا اي عدم كوننا مكلفين به مع عدم العلم لامتناع تكليف ما لا يطاق، وأما إذا أريد به نفيه في الواقع فهو غير صحيح لجواز ان يكون الحكم ثابتا في الواقع وان لم يصل إلينا ولا نكون مكلفين به حتى يصل إلينا كما ورد في الاخبار: ان الناس في سعة مما لا يعلمون حتى يعلموا، فالتحقيق ان التمسك بأصالة البراءة انما يصح في العمليات المحضة دون العلميات أعني لا يجوز لنا الافتاء
صفحة ١٩