257

أصول البزدوي

الناشر

مطبعة جاويد بريس

مكان النشر

كراتشي

مثل الاكل والوطىء والزنا لان الاكل بفم غيره لا يتصور وكذلك إذا كان نفس الفعل مما يتصور أن يكون الفاعل فيه آلة لغيره صورة إلا أن المحل غير الذي يلاقيه الاتلاف صورة وكان ذلك يتبدل بأن يجعل آلة بطل ذلك واقتصر الفعل على المكره لان المحل الذي إذا تبدل كان في تبديله بطلان الكره لان الاكراه لا اثر له في تبديل المحال وفي تبديل المحل خلاف المكره وفي خلافه بطلان الاكراه وإذا بطل اقتصر الفعل على الفاعل وعاد الأمر إلى المحل الأولى وبطل التبديل وذلك مثل اكراه المحرم على قتل الصيد أو اكراه الحلال على قتل صيد الحرم أن ذلك القتل يقتصر على الفاعل لان المكره إنما حمله على أن يجني على احرام نفسه أو على دين نفسه وهو في ذلك لا يصلح آلة لغيره ولو جعل آلة لتبدل محل الجناية فيصير محل الجناية احرام المكره ودينه ولهذا قلنا أن المكره على القتل يأثم لان القتل من حيث انه يوجب المأثم جناية على دين القاتل وهو في ذلك لا يصلح آلة فصار محل الجناية دين المكره لو جعل آلة فصاره في حق الحكم المكره فاعلا وصار المكره في حق المأثم فاعلا ففقيل له لا تفعل وصار المكره آثما لأنه اختار موته وحققه بما في وسعه فلحقه المأثم والمأثم يعتمد عزايم القلوب إذا اتصلت بالفعل ولهذا قلنا في المكره على البيع والتسليم ان تسليمه يقتصر عليه وان كان فاعلا لأن التسليم تصرف في البيع وإنما أكره ليتصرف في بيع نفسه بالإتمام وهو فيه لا يصلح آلة ولو جعل آلة لتبدل المحل ولتبدل داب الفعل لأنه حينئذ يصير غصبا محضا وقد نسبناه إلى المكره من حيث هو غصب وإذا ثبت أنه أمر حكمي صرنا إليه استقام ذلك فيما يعقل ولا يحس قلنا أن المكره على الإعتاق بما فيه الجاء هو المتكلم ومعنى الإتلاف منه منقول إلى الذي أكرهه لأنه من فصل في الجملة يحتمل للنقل بأصله واما بيان ما ذكرنا من تقسيم الحرمات فان القسم الأول هو الزنا بالمرأة والقتل والجرح لا يحل ذلك بعذر الكره ولا يرخص فيه لان دليل الرخصة خوف التلف والمكره والمكره عليه في ذلك سواء فسقط الكره في حق تناول دم المكره عليه للتعارض وفي الزنا فساد الفراش وضياع النسل وذلك بمنزلة القتل ايضا حتى أن من قيل له لنقتلنك أو لنقطعن يدك حل له لان حرمة نفسه فوق حرمة يده عند التعارض ويد غيره ونفسه سواء والحرمة التي تحتمل السقوط اصلا هي حرمة الخمر والميتة ولحم الخنزير فان الاكراه الملجىء يوجب اباحته لان حرمة هذه الاشياء لم يثبت بالنص إلا عند الاختيار قال الله تعالى

﴿وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه

وقال تعالى

﴿فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه

وان كان التحريم في الأصل يثبت مقيدا بالاستثناء كان الاستثناء خارجة عن التحريم فيبقى على الاباحة المطلقة كالذي لا يضطر إلى ذلك لجوع أو عطش يرى أن رفق التحريم يعود إلى المتناول من خبث في المأكول والمشروب قال الله تعالى

﴿ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون

وقال تعالى

﴿ويحرم عليهم الخبائث

فإذا أدى ذلك إلى فوت الكل كان فوت البعض اولى من فوت الكل على مثال قولنا لتقطعن يدك انت أو لنقتلنك نحن فإذا سقطت الحرمة اصلا كان الممتنع من تناوله وهو مكره مضيعا لدمه فصار اثما وهذا إذا تم الاكراه فأما إذا قصر لم يحل له التناول لعدم الضرورة إلا انه إذا تناول لم يجد لانه لو تكامل اوجب الحل فإذا قصر صار شبهة بخلاف المكره على القتل بالحبس إذا قتل فإنه يقتص لانه لو تم لم يحل لكنه انتقل عنه فإذا قصر لم ينتقل ولم يصر شبهة واما الذي لا يسقط ويحتمل الرخصة فمثل اجراء كلمة الكفر على اللسان والقلب مطمئن بالايمان فان هذا ظلم في الأصل لكنه رخص فيه بالنص في قصة عمار بن ياسر وبقي الكفر عزيمة بحديث خبيب و ذلك أن حرمته لا تحتمل السقوط وفي هتك الظاهر مع قرار القلب ضرب جناية لكنه دون القتل لان ذلك هتك صورة وهذا هتك صورة ومعنى فوجبت الرخصة وبقي الكف عنه عزيمة لبقاء الحرمة نفسها فإذا صبر فقد بذل نفسه لاعزاز دين الله عز وجل فكان شهيدا وإذا اجرى فقد ترخص بالادنى صيانة للاعلى وكذلك هذا في سائر حقوق الله عز وجل مثل افساد الصلاة والصيام وقتل صيد الحرم أو في الاحرام لما قلنا وكذلك في استهلاك اموال الناس يرخص فيه بالاكراه التام لان حرمة النفس فوق حرمة المال فاستقام أن يجعل وقاية لها ولكن اخذ المال واتلافه ظلم وعصمة صاحبه فيه قائمة فبقى حراما في نفسه لبقاء دليله والرخصة ما يستباح بعذر مع قيام المحرم فإذا صبر حتى قتل فقد بذل نفسه لدفع الظلم ولاقامة حق محترم فصار شهيدا وكذلك المرأة إذا اكرهت على الزنا بالقتل اوالقطع رخص لها في ذلك لان ذلك تعرض لحق محترم بمنزلة سائر حقوق الله تعالى وليس في ذلك معنى القتل لان نسب الولد عنها لا ينقطع ولهذا قلنا إنها إذا اكرهت على الزنا بالحبس إنها لا تحد لان الكامل يوجب الرخصة فصار القاصر شبهة بخلاف الرجل فصار هذا القسم قسمين قسم حق الله تعالى وفي الإيمان لا القائم يحتمل السقوط بحال إلا ترى انه لما لم يكن في العقيدة ضرورة لم تحتمل الرخصة بالتبديل ودخلت الرخصة في الاداء للضرورة ولما سبق أن اصل الشرع التوحيد والايمان والاصل فيه الإعتقاد والاداء فيه ركن ضم اليه فصارت عمدة الشرع وهو اساس الدين لا يحتمل السقوط والتعدي من البشر بحمد الله تعالى فصار غيره عرضة للعوارض وما كان من حقوق العباد من جنس ما يحتمل السقوط ومن حقوق الله تعالى قسما آخر انه يحتمل السقوط بأصله لكن دليل السقوط لما لم يوجد وعارضه أمر فوقه وجب العمل باثبات الرخصة والعمل وجب بأصله بأن جعل اصله عزيمة وهذا كمن اصابته مخمصة حل له تناول طعام غيره رخصة لا اباحة مطلقة حتى إذا ترك فمات كان شهيدا بخلاف طعام نفسه وإذا استوفاه ضمنه لكونه معصوما في نفسه وذلك مثل تناول محظور الاحرام عن ضرورة بالمحرم انه يرخص له ويضمن الجزاء فكذلك ههنا والله اعلم بالصواب . . . $ اصول الكرخي مع

صفحة ٣٦٣