255

أصول البزدوي

الناشر

مطبعة جاويد بريس

مكان النشر

كراتشي

السفر هو الخروج المديد وادناه ثلاثة ايام ولياليها على ما عرف وأنه لا ينافي شيئا من الاهلية ولا يمنع شيئا من الأحكام لكنه من اسباب التخفيف بنفسه مطلقا لانه من اسباب المشقة لا محالة بخلاف المرض لانه متنوع على ما قلنا واختلفوا في اثره في الصلوات فهو عندنا سبب للوضع اصلا حتى أن ظهر المسافر وفجره سواء لا يحتمل الزيادة عليه وقال الشافعي رحمه الله هو سبب رخصة فلا يبطل العزيمة كما قيل في حق الصائم ولنا على ما قلنا دليلان ظاهران ودليلان خفيان إما الاولان فأحدهما أن القصر اصل والاكمال زيادة قالت عاشة رضي الله عنها فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فاقرت في السفر وزيدت في الحضر والاصل لا يحتمل المزيد إلا بالنص والثاني انا وجدنا بالفضل على ركعتين ان اداه اثيب عليه وان تركه أن هذه رخصة اسقاط لان ذلك حق وضع عنا مثل وضع الاصر والاغلال قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله ما لنا نقصر وقد امنا فقال النبي عليه السلام أن الله تعالى تصدق عليكم بصدقة فاقبلوا صدقته وحق الصلاة علينا حق لا يحتمل التمليك ولا مالية فيه وكانت صدقته اسقاطا محضا لا يحتمل الرد ارايت عفو الله عنا الآثام وهبة العتق من النار ايحتمل الرد هذا أمر يعرف ببداية العقول بخلاف الصوم لان النص أوجب تأخيره بالسفر لا سقوطه فبقى فرضا فصح اداؤه وثبت انه رخصة تأخير وفي الصلاة رخصة اسقاط وفسخ فانعدم اداؤه الثاني أن العبودية ينافي المشية المطلقة والاختيار الكامل وانما ذلك من صفات الباري جل جلاله وانما للعبد اختيار ما يرتفق به ولله تعالى الاختيار المطلق يفعل ما يشاء بلا رفق يعود اليه ولا حق يلزمه إلا يرى أن الحالف إذا حنث في اليمين خير بين أنواع الثلاثة من الكفارة لرفق يختاره وفي مسألتنا لو ثبت الاحتيار بين القصر والاكمال لكان اختيارا في وضع الشرع لانه لا رفق له بل الرفق واليسر متعين في القصر من كل وجه فإذا لم يتضمن الاختيار رفقا كان ربوبية لا عبودية وهذا غلط ظاهر وخطأ بين إلا يرى أن المدبر إذا جنى جناية لم يخير مولاه بين قيمته وهي ألف درهم وبين الدية وهي عشرة الاف درهم وكذلك إذا جنى عبد ثم اعتقه وهو لا يعلم بجنايته غرم قيمته إذا كانت دون الارش من غير خيار وكذلك المكاتب في جناياته وإذا كان كذلك علم أن الاختيار للرفق ولا رفق في اختيار الكثير على القليل والجنس واحد ويخير في جناية العبد بين امساك رقبته وقيمته ألف درهم وبين الفداء بعشرة الآف لان ذلك قد يفيد رفقا وفي مسألتنا لا رفق في اختيار الكثير فبقى اختياره مطلقا ومشية وهي ربوبية وذلك باطل فان قيل فيه فضل ثواب قلنا عنه ليس كذلك فالثواب لا في حسن الطاعة لا في الطول والقصر إلا يرى أن ظهر المقيم لا يزيد على فجره ثوابا وان ظهر العبد لا يزيد على جمعة الحر ثوابا فكذلك هذا على أن الاختيار وهو حكم الدنيا لا يصلح بناؤه على حكم الآخر وهذا بخلاف الصوم في السفر لانه مخير بين وجهين كل واحد منهما يتضمن يسرا من وجه وعسرا من وجه لان الصوم في السفر يتضمن يسر موافقة المسلمين وذلك يسر بلا شبهة ويتضمن عسرا بحكم السفر والتأخير إلى حالة الاقامة يتضمن عسرا من وجه وهو عسر الانفراد ويسرا من وجه وهو الاستماع بحال الاقامة فصح التأخير لطلب الرفق بين وجهين مختلفين فكان ذلك عبودية لا ربوبية والله تعالى اعلم وانما يثبت هذا الحكم بالسفر إذا اتصل بسبب الوجوب حتى ظهر اثره في اصله وهو الاداء فظهر في قضائه إذا لم يتصل به فلا ولما كان السفر من الأمور المختارة ولم يكن موجبا ضرورة لازمة قيل له أن المسافر إذا نوى الصيام في رمضان وشرع فيه لم يحل له الفطر بخلاف المريض إذا تكلف ثم بدا له أن يفطر حل له لانه سبب ضروري للمشقة وهذا موضوع لها ولكنه إذا افطر كان قيام السفر المبيح عذرا وشبهه في الكفارة وإذا صبح مقيما وعزم على الصوم ثم سافر لم يحل له بخلاف ما إذا مرض وإذا فطر لم يلزمه الكفارة عندنا وإذا افطر ثم سافر لم يسقط عنه الكفارة بخلاف المرض لما قلنا أن السفر مكتسب وهذا سماوي واحكام السفر تثبت بنفس الخروج بالسنة المشهورة عن رسول الله عليه السلام وان لم يتم السفر علة بعد تحقيقا للرخصة إلا يرى انه إذا نوى رفضه صار مقيما وان كان في غير موضع الاقامة لان السفر لما لم يتم علة كانت نية الاقامة نقضا للعارض لامة ابتداء علة وإذا سار ثلاثا ثم نوى المقام في غير موضع اقامة لم يصح لان هذا ابتداء ايجاب فلا يصح في غير محله وإذا اتصل بهذا السفر عصيان مثل سفر الآبق وقاطع الطريق كان من اسباب الترخص عندنا وقال الشافعي رحمه الله ليس ذلك من اسباب الترخص لقوله تعالى

﴿فمن اضطر غير باغ ولا عاد

ولانه عاص في هذا السبب فلم يصلح سبب رخصة وجعل معدوما زجرا و تنكيلا كما سبق في السكر وقلنا نحن أن سبب وجوب الترخص موجود وهو السفر واما العصيان فليس فيه بل في أمر ينفصل عنه وهو التمرد على من يلزمه طاعته والبغي على المسلمين والتعدي عليهم بقطع الطريق إلا يرى أن ذلك ينفصل عنه فان التمرد على المولى في المصر بغير سفر معصية وكذلك البغي وقطع الطريق صار جناية لوقوعه على محل العصمة من النفس والمال والسفر فعل يقع على محل آخر إلا يرى أن الرجل قد يخرج غازيا ثم قد يستقبله عير فيبدوا له فيقطع عليهم فصار النهي عن هذه الجملة نهيا لمعنى في غير المنهى عنه من كل وجه وبذلك لا يمتنع تحقق الفعل مشروعا فلا يمتنع تحقق الفعل سببا للرخصة لان صفة الحل في السفر دون صفة أن يتعلق الرخصة بأثره وتبين أن قوله عز وجل

﴿غير باغ ولا عاد

في نفس الفعل أن يتعدى المضطر عن الذي به يمسك مهجته وصيغة الكلام ادل على هذا مما قاله واحكام السفر اكثر من أن تحصى & الفصل السادس

وهو الخطأ هذا النوع نوع جعل عذرا صالحا لسقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد وشبهة في العقوبة حتى قل أن الخاطىء لا يأثم ولا يؤاخذ بحد ولا قصاص لانه جزاء كامل من اجزئة الأفعال فلا يجب على المعذور ولم يجعل عذرا في حقوق عذرا في حقوق العباد

صفحة ٣٥٥