على خلاف حكم الإسلام أما أبو حنيفة رحمه الله فقد قال أنها تصلح دافعة للتعرض ودافعة لدليل الشرع في الأحكام التي تحتمل التغير ليصير الخطاب قاصرا عنهم في أحكام الدنيا استدراجا بهم ومكرا عليهم وتركا لهم على الجهل وتمهيدا لعقاب الآخرة والخلود في النار وتحقيقا لقول النبي عليه السلام الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأما في حكم لا يحتمل التبدل فلا حتى أنه لا يعطي للكفر حكم الصحة بحال ولا يبتني على هذا أنه جعل حكم الصحة بحال ولا يبتني على هذا أنه جعل الخطاب بتحريم الخمر كأنه غير نازل في حقهم في أحكام الدنيا من التقوم وإيجاب الضمان وجواز البيع وما أشبه ذلك وكذلك الخنازير وجعل لنكاح المحارم بينهم حكم الصحة حتى قال إذا وطئها بذلك ثم أسلما كانا محصنين لو قذفا حد قاذفهما وإذا طلبت المرأة النفقة بذلك النكاح قضى بها عنده ولا يفسخ حتى يترافعا فإن قيل لا خلاف أن الديانة لا تصلح حجة متعدية ألا يرى أن المجوسي إذا تزوج ابنته ثم هلك عنها وعن ابنة أخرى أنهما ترثان الثلثين ولا ترث المنكوحة منهما بالنكاح لأن ديانتها لا تصلح حجة على الأخرى فكذلك في إيجاب الحد على القاذف واستحقاق القضاء بالنفقة وإيجاب الضمان على متلف الخمر وجب أن لا تجعل حجة متعدية قلنا عنه هذا تناقض لأنا نجعل الديانة معتبرة لأنا نأخذ نصف العشر من خمور أهل الذمة والعشر من خمور أهل الحرب خلافا للشافعي رحمه الله وهذه غير متعدية بل هي حجة عليهم إلا أنه 2 لا يؤخذ من الخنزير لأن أمام المسلمين ليس له ولاية حماية الخنزير نفسه فلا يتعدى وله ولاية حماية الخمر لنفسه للتخليل فيتعدى وحقيقة الجواب أنا لا نجعل الديانة متعدية لأن الخمر إذا بقيت متقومة لم يثبت بالديانة إلا دفع الإلزام بدليل فأما التقوم فباق على الأصل وذلك شرط الضمان لأن الضمان لا يجب بتقوم المتلف لكن بإتلاف المتلف وإذا لم تضف إلى تقوم المحل لم تصر متعدية وكذلك إحصان المقذوف شرط لا علة وإنما العلة هي المقذوف وأما النفقة فإنما شرعت بطريق الدفع في الأصل ألا يرى أن الأب يحبس بنفقة الابن الصغير كما يحل دفعه إذا قصد قتله ولا يحبس بدينه جزاء كما لا يقتل قصاصا وإذا كان كذلك صارت الديانة دافعة لا موجبة بخلاف الميراث لأنه صلة مبتدأة لو وجب بديانتها كانت الديانة بذلك موجبة لا دافعة وإذا لم يفسخ بمرافعة أحدهما فقد جعلنا الديانة دافعة أيضا هذا جواب قد قيل والجواب الصحيح عندي عن فصل النفقة أنهما لما تناكحا فقد دانا بصحته فقد أخذ الزوج بديانته ولم يصح منازعته من بعد بخلاف منازعة من ليس في نكاحهما لأنه لم يلتزم هذه الديانة واما القاضي فإنما يلزمه القضاء بالتقليد دون الخصومة وأما أبو يوسف ومحمد رحمهما الله فكذلك قالا أيضا إلا أنهما قالا أن تقوم الخمر وإباحة شربها وتقوم الخنزير وإباحته كان حكما ثابتا أصليا فإذا قصر الدليل بالديانة بقي على الأمر الأول فأما نكاح المحارم فلم يكن أصليا ألا يرى انه كان لا يصلح للرجل أخته من بطن واحد في زمن آدم صلوات الله عليه وإذا كان كذلك لم يجز استبقاؤه بقصر الدليل ولأن حد القذف من جنس ما يدرأ بالشبهات فلا بد من أن يصير قيام دليل التحريم شبهة وبالقضاء بالنفقة على الطريق الأول باطل لما قلنا وأما على هذا الطريق فلأنه من جنس الصلات المستحقة ابتداء حتى لم يشترط لها حاجة المستحق والجواب لأبي حنيفة رحمه الله أن الحاجة الدائمة بدوام الجنس لا يردها المال المقدر فتحققت الحاجة لا محالة وأما الشافعي رحمه الله فإنه جعل الديانة دافعة للتعرض لا غير حتى لا يحد الذمي بشرب الخمر فأما سائر الأحكام فلا تثبت والجواب عنه أن تقويم الأموال وإحصان النفوس من باب العصمة وتفسير العصمة الحفظ فيكون في تحقيق العصمة بديانتهم حفظ عن التعرض أيضا وقد بينا ما يبطل به مذهبه وتبين أن ما قلنا من باب الدفع ولا يلزم عليه استحلالهم الربا وذلك لأن ذلك ليس بديانة بل هو فسق في ديانتهم لأن من أصل ديانتهم تحريم الربا وذلك مثل خيانتهم فيما ائتمنوا في كتبهم لأنهم نهوا عنه فكذلك الربا كاستحلالهم الزنا وأما القسم الثاني فجهل صاحب الهوا في صفات الله عز وجل وأحكام الآخرة وجهل الباغي لأنه مخالف للدليل الواضح الصحيح الذي لا شبهة فيه فكان باطلا كالأول إلا أنه متأول بالقرآن فكان دون الأول ولكنه لما كان من المسلمين أو ممن ينتحل الإسلام لزمنا مناظرته وإلزامه فلم نعمل بتأويله الفاسد وقلنا في الباغي إذا أتلف مال العادل أو نفسه ولا منعة له يضمن وكذلك سائر الأحكام تلزمه فاذا صار للباغي منعة سقط عنه ولاية الإلزام فوجب العمل بتأويله الفاسد فلم يؤخذ بضمان ووجبت المجاهدة لمحاربتهم ووجب قتل أسرائهم والتدفيف على جريحهم ولم نضمن نحن أموالهم ودماءهم ولم نحرم عن الميراث بقتلهم لأن الإسلام جامع والقتل حق وهم لم يحرموا أيضا أن قتلوا أيضا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن القتل منهم في حكم الدنيا بشرط المنعة في حكم الجهاد بناء على ديانتهم وإن كان باطلا في حقيقة ووجب حبس أموالهم زجرا لهم ولم نملك أموالهم لأن أصل الدار واحدة وهي بحكم الديانة مختلفة فثبتت العصمة من وجه وهو الإسلام دون وجه فلم يجب الضمان بالشك ولم يجب الملك بالشبهة بخلاف أهل الحرب لأن الدار مختلفة والمنعة متباينة من كل وجه فبطلت العصمة لنا في حقهم ولهم في حقنا من كل وجه وكذلك جهل من خالف في اجتهاده الكتاب والسنة من علماء الشريعة وأئمة الفقه أو عمل بالغريب من السنة على خلاف الكتاب أو السنة المشهورة فمردود باطل ليس بعذر أصلا مثل الفتوى ببيع أمهات الأولاد ومثل القول بالقصاص في القسامة ومثل استباحة متروك التسمية عمدا والقضاء بالشاهد الواحد ويمين المدعى لأنا أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم وعلى هذا يبتني ما ينفذ فيه قضاء القاضي وما لا ينفذ وأما القسم الثالث فهو الجهل في موضع الاجتهاد الصحيح أو في غير موضع الاجتهاد لكن في موضع الشبهة أما الأول فإن من صلى الظهر على غير وضوء ثم صلى العصر بوضوء وعنده أن الظهر قد أجزاه فالعصر فاسدة لأن هذا جهل على خلاف الإجماع وإن قضى الظهر ثم صلى المغرب وعنده أن العصر أجزى عنه جاز ذلك لأنه جهل في موضع الاجتهاد في ترتيب الفوائت وقال أصحابنا رحمهم الله فيمن قتل وله وليان فعفا أحدهما عن القصاص ثم قتله الثاني وهو يظن أن القصاص باق له على الكمال وأنه وجب لكل واحد منهم قصاص كامل فإنه لا قصاص عليه لأن جهله حصل في موضع الاجتهاد وفي حكم يسقط بالشبهة وكذلك صائم احتجم ثم أفطر على ظن أن الحجامة فطرته وعلى ذلك التقدير لم تلزمه . . . . .
صفحة ٣٤٣