عامة التابعين الصالحين وعلماء الدين رضي الله عنهم اجمعين فانهم اتفقوا على أن القياس بالرأي على الاصول الشرعية لتعدية احكامها إلى مالا نص فيه مدرك من مدارك احكام الشرع لا حجة لاثباتها ابتداء وقال أصحاب الظواهر من أهل الحديث وغيرهم أن القياس ليس بحجة العمل به باطل وهو قول داود الاصبهاني وغيره واختلف هؤلاء فقال بعضهم لا دليل من قبل العقل اصلا والقياس قسم منه وقال بعضهم لا عمل لدليل العقل إلا في الأمور العقلية دون الشرعية وقال بعضهم وهو دليل ضروري ولا ضرورة بنا اليه لا مكان العمل باستصحاب الحال واحتج من ابطل القياس بالكتاب والسنة والمعقول إما الكتاب فقول الله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وقوله تعالى
﴿ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين﴾
ومن جعل القياس حجة لم يجعل الكتاب كافيا وأما السنة فقول النبي عليه السلام لم يزل أمر بني اسرائيل مستقيما حتى كثرت فيهم اولاد السبايا فقاسوا ما لم يكن بما قد كان فضلوا واضلوا وما المعقول فلمعنى في الدليل ولمعنى في المدلول إما الدليل فشبهة في الأصل لان النص لم ينطق بشيء من الاوصاف علة للحكم والحكم المطلوب حق الله تعالى فلا يصح اثباته بما هو شبهة في الأصل مع كمال قدرة صاحب الحق واما الذي في المدلول فلأن المدلول طاعة الله تعالى ولا يطاع الله تعالى بالعقول والاراء إلا ترى أن من الشرايع مالا يدرك بالعقول مثل المقدرات ومنها ما يخالف المعقول ولا يلزم أمر الحروب ودرك الكعبة وتقويم المتلفات إما على الأول فلانها من حقوق العباد إما غير القبلة فلا يشكل واما القبلة فاصلة معرفة اقاليم الأرض وذلك حق العباد فبنى على وسعهم واما على الثاني فلان هذه الأمور إنما يعقل بوجوه محسوسه إلا ترى أن قيم المتلفات ومهور النساء وامور الحرب تعقل بالاسباب الحسية وكذلك القبلة وكان يقينا بأصله على مثال الكتاب والسنة وحصل بما قلنا المحافظة على المنصوص بمعاينها ولان العمل بالاصل في مواضع القياس ممكن وذلك دليل دعينا إلى العمل به قال الله تعالى
﴿قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه﴾
الاية وليس كذلك ما ذكرنا من امور الحرب وغيرها لان العمل بالاصل غير ممكن وكذلك أمر القبلة فعملنا بالاجتهاد للضرورة ولا يلزم عليه الاعتبار بمن مضى من القرون في المثلات والكرامات لان ذلك أمر يعقل بالحس
صفحة ٢٤٩