رضي الله عنهم وغيرهم ممن اشتهر بالفقه والنظر وحديثهم حجة أن وافق القياس أو خالفه فان وافقه تأيد به وان خالفه ترك القياس به وقال مالك رحمه الله فيما يحكى عنه بل القياس مقدم عليه لان القياس حجة باجماع السلف وفي اتصال هذا الحديث شبهة والجواب أن الخبر يقين بأصله وانما دخلت الشبهة في نقله والرأي محتمل بأصله في كل وصف على الخصوص فكان الاحتمال في الرأي أصلا وفي الحديث عارضا لان الوصف في النص كالخبر والرأي والنظر فيه كالسماع والقياس عمل به والوصف ساكت عن البيان والخبر بيان بنفسه فكان الخبر فوق الوصف في الابانة والسماع فوق الرأي في الاصابة ولهذا قدمنا خبر الواحد على التحري في القبلة فلا يجوز التحري معه واما رواية من لم يعرف بالفقه ولكنه معروف بالعدالة والضبط مثل أبي هريرة وانس بن مالك رضي الله عنهما فان وافق القياس عمل به وان خالفه لم يترك إلا بالضرورة وانسداد باب الرأي ووجه ذلك أن ضبط حديث النبي عليه السلام عظيم الخطر وقد كان النقل بالمعنى مستفيضا فيهم فإذا قصر فقه الراوي عن درك معاني حديث النبي عليه السلام واحاطتها لم يؤمن من ان يذهب عليه شيء من معانية بنقله فيدخله شبهة زائدة يخلو عنها القياس فيحتاط في مثله وانما نعني بما قلنا قصورا عند المقابلة بفقه الحديث فأما الازدراء بهم فمعاذ الله من ذلك فان محمدا رحمه الله يحكي عن أبي حنيفة رضي الله عنه في غير موضع انه احتج بمذهب انس بن مالك رضي الله عنه وقلده فماظنك في أبي هريرة رضي الله عنه حتى أن المذهب عند اصحابنا رحمهم الله في ذلك انه لا يرد حديث امثالهم إلا إذا انسد باب الرأي والقياس لانه إذا انسد صار الحديث ناسخا للكتاب والحديث المشهور ومعارضا للاجماع وذلك مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المصراة أن انسد فيه باب الرأي فصار ناسخا الكتاب والسنة المعروفة معارضا
صفحة ١٥٩