حتى تأمله لوضح له فساد باطنه فلما اطمأن بظاهره كان أمرا محتملا فأما أمر يوكد باطنه ظاهره ولا يزيد التأمل إلا تحقيقا فلا كالداخل على قوم جلسوا للمأتم يقع له العلم به عن غفلة عن التأمل ولو تأمل حق تأمله لوضح له الحق من الباطل فأما العلم بالمتواتر فلما يجب عن دليل اوجب علما بصدق المخبر به لمعنى في الدليل لا لغفلة من المتأمل وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم كانوا قوما عدولا ائمة لا يحصى عددهم ولا يتفق اماكنهم طالت صحبتهم واتفقت كلمتهم بعد ما تفرقوا شرقا وغربا وهذا يقطع الاختراع ولما تصور الخفاء مع بعد الزمان ولهذا صار القرآن معجزة لانهم عجزوا عن ذلك واشتغلوا ببذل الارواح فكان خبرهم في نهاية البيان قاطعا احتمال الوضع يقينا بلا شبهة إذ لو كان شبهة وضع لما خفي مع كثرة الاعداء واختلاط أهل النفاق قال الله تعالى
﴿وفيكم سماعون لهم﴾
وذلك مثل سلامة كتاب الله تعالى عن المعارضة وعجز البشر عن ذلك إذ لو كان ذلك لما خفي مع كثرة المتعنتين وهذا مثله فأما إخبار زرادشت فتخييل كله فأما ما روى أنه ادخل قوائم الفرس في بطن الفرس فإنما رووا انه فعل ذلك في خاصة الملك و حاشيته وذلك آية الوضع والاختراع إلا أن ذلك الملك لما رأى شهامته تابعه على التزوير والاختراع فكان العلم به لغفلة المتأمل دون صحة الدليل وكذلك أخبار اليهود مرجعها إلى الآحاد فانهم كانوا سبعة نفر دخلوا عليه واما المصلوب فلا يتأمل عادة مع تغير هيأته وعلى انه القى على واحد من أصحاب عيسى عليه السلام شبهه كما قص الله تعالى
﴿ولكن شبه لهم﴾
وذلك جائز استدراجا ومكرا على قوم متعنتين حكم الله تعالى عليهم بانهم لا يؤمنون فكان محتملا مع أن الرواة أهل تعنت وعداوة فبطلت هذه الوجوه بالمتواتر والله اعلم فصار منكر المتواتر ومخالفه كافرا & باب المشهور من الأخبار
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه المشهور ما كان من الآحاد في الأصل ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتوهم تواطؤهم على الكذب وهم القرن الثاني بعد الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم وأولئك قوم ثقات ائمة لا يتهمون فصار بشهادتهم وتصديقهم بمنزلة المتواتر حجة من حجج الله تعالى حتى قال الجصاص أن أحد قسمي المتواتر وقال عيسى بن ابان أن المشهور من الأخبار يضلل جاحده ولا يكفر مثل حديث المسح على الخفين وحديث الرجم وهو الصحيح عندنا لان المشهور بشهادة السلف صار حجة للعمل به كالمتواتر فصحت الزايادة به على كتاب الله تعالى وهو نسخ عندنا وذلك مثل زيادة الرجم والمسح على الخفين والتتابع في صيام كفارة اليمين لكنه لما كان في الأصل من الآحاد ثبت به شبهة فسقط به علم اليقين ولم يستقم اعتباره في العمل فاعتبرناه في العلم لانا لا نجد وسعا في رد المتواتر وانما يشك فيه صاحب الوسواس و نحرج في رد المشهور لانه لا يمتاز عن المتواتر إلا بما يشق دركه لكن العلم بالمتواتر كان لصدق في نفسه فصار يقينا والعلم بالمشهور لغفلة عن ابتدائه وسكون إلى حاله فسمى علم طمأنينة والاول علم اليقين & باب خبر الواحد
صفحة ١٥٢