ضرورته فعل ضده إذا كان له ضد واحد كالحركة والسكون فأما إذا تعدد الضد فليس من ضرورة الكف عنه اتيان كل اضداده إلا ترى أن المأمور بالقيام إذا قعد أو نام أو اضطجع فقد فوت المأمور به والمنهى عن القيام لا يفوت حكم النهي بأن يقعد أو ينام أو يضطجع قال واجمع الفقهاء رحمهم الله أن المرأة منهية عن كتمان الحيض بقوله تعالى
﴿ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن﴾
ثم كان ذلك امرا بالاظهار لان الكتمان ضده واحد وهو الاظهار واتفقوا أن المحرم منهى عن لبس المخيط ولم يكن مأمورا بلبس شيء متعين من غير المخيط واحتج الفريق الثالث بأن الأمر على ما قال الجصاص رحمه الله إلا انا اثبتنا بكل واحد من القسمين ادنى ما يثبت به لان الثابت لغيره ضرورة لا يساوي المقصود بنفسه واما الذي اخترناه فبناء على هذا وهو أن هذا لما كان أمرا ضروريا سميناه اقتضاء ومعنى الاقتضاء ههنا انه ضروري غير مقصود فصار شبيها بما ذكرنا من مقتضيات احكام الشرع واما قوله تعالى
﴿ولا يحل لهن أن يكتمن﴾
فليس بنهي بل نسخ له أصلا مثل قوله تعالى
﴿لا يحل لك النساء من بعد﴾
فلا يصير الأمر ثابتا بالنهي بل لان الكتمان لم يبق مشورعا لما تعلق باظهاه من احكام الشرع فصار بهذه الواسطة أمر أو هذا مثل قوله الانكاح إلا بشهور وفائدة هذا أن التحريم إذا لم يكن مقصودا بالأمر لم يعتبر إلا من حيث يفوت الأمر فإذا لم يفوته كان مكروها كالأمر بالقيام ليس بنهي عن القعود قصدا حتى إذا قعد ثم قام لم تفسد صلوته بنفس القعود ولكنه يكره ولهذا قلنا أن المحرم لما نهى عن لبس المخيط كان من السنة لبس الإزار والرداء ولهذا قلنا أن العدة لما كان معناها النهي عن التزوج لم يكن الأمر بالكف مقصودا حتى انقضت الاعداد منها بزمان واحد بخلاف الصوم لان الكف وجب بالأمر مقصودا به ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله أن من سجد على مكان نجس لم تفسد صلاته لانه غير مقصود بالنهي
صفحة ١٤٤