لا مشاحة أن للمنزل تأثيرا كبيرا في أخلاق الطفل، ولكن لخلال المعلم وسلطته العالية أثرا أشد وأفعل. إن أكثر التعليم الديني المباشر الذي يتلقاه الأطفال مستمد من المعلم الذي هو منوط بتربيتهم الأدبية والعقلية. ومن ثم يتوقف على المعلم تربية الضمير تربية تامة لا تداينها تربية المنزل، ومنها تتضح ضرورة تحلي المعلم بجليل الأخلاق. قال مونتاني: «إن سلوكنا في الحياة هو المرآة الحقيقية لمبادئنا.» ولا شك أن التربية لا تكون ذات قيمة أدبية إلا إذا تبين الأطفال في خلالها الإخلاص من معلمهم، ورأوه يزاوله ويحض عليه، واعتقدوا أن المبادئ التي يريد توطينهم عليها مبادئ مغروسة في فؤاده مؤثرة في حياته. وخير المعلمين من كان مثالا لتلاميذه؛ فهو بذلك يستطيع أن يكون أخلاقهم ويوطنهم على الفضيلة النفسية أكثر مما يستطيع بتعليمه وقوانينه كلها، وعلى ذلك فيجب على المعلم: (1)
أن يتمسك بأهداب الأمانة في كل الأمور التي لها علاقة بأعمال المدرسة، وتلك كثيرة جدا، وقد تبدو للعين هينة تافهة وهي في الحقيقة من جلائل الأمور. (2)
أن يكون أنيقا مرتبا نظيفا في نفسه وفي عاداته. (3)
أن يراعي المواعيد مراعاة تامة، فيجب أن يكون انتهاؤه في الدرس كابتدائه فيه في ميعاده، لا يتقدم عنه ولا يتأخر. (4)
أن يكون صبورا مع الغبي شفيقا مراعيا ومشجعا مع الضعيف أو المشجون والحيي واليرع ولطيفا مع الجميع. (5)
أن يكون مع الآباء صديقا، وإذا جاءته منهم رسائل شديدة اللهجة اصطبر لها، ثم آساهم. (6)
أن يتجنب أدنى مظهر من مظاهر التحيز والمحاباة وقلة القسط أو عدم الثبات، وبعبارة أخرى يجب عليه أن يكون عادلا لا يعرض نفسه للتأثر بداع إلا مصلحة الأطفال، ولا أن يجنح به الهوى أو الحقد أو الكسل أو حب تهوين الأمور. (7)
وإذا عاقب راعى الأفيد من العقاب قبل المستحق، وأخذ بالتشجيع والحث والتحذير والنصح، لا التعنيف أو التهديد أو العقاب. (8)
وإذا طلب إلى الأطفال شيئا أو كلفهم بأمر كان طلبه مقبولا وأداؤه مستطاعا وإلا استاقهم إلى العصيان وترك الطاعة بطريقة عملية، ولا يصح أن يكون فظا في استعمال سلطته.
فيتضح مما سبق أن التربية الأدبية مختلفة الأسلوب، وأن تأثير المنزل والمدرسة بحسن الأسوة وجمال المثال من الآباء والمعلمين؛ هي أهم العوامل في التربية.
صفحة غير معروفة