ولكن ليس لدينا مقياس يمكننا أن نقيس به مقدار المنفعة التي يقتضي توافرها في الكذبة لنغفرها اعتمادا على أي الحجتين. وعلى ذلك فلا مندوحة لنا من القول بأنه خير وأقل إغراء على المجارم أن «نقول الصدق وكل الصدق ولا شيء غير الصدق.»
1
في كل حادث بصرف النظر عما يترتب على ذلك.
ويجب أن لا يعلم الناس - ولا سيما الأطفال - أو أن يترك لهم سبيل إلى الظن بأنه يمكن أو يجوز الميل عن جادة الصدق في أي حال من الأحوال. يقول «لوق» إنه يجب أن تملأ قلوب الأطفال ذعرا من الكذب وأن يحموا منه بإظهار الدهشة والاستفظاع وبالتأنيب، وبتوقيع العقوبة البدنية إذا اقتضى الأمر.
إن الأكاذيب التي يفتريها بعض الأطفال ليس منشؤها إلا خروج الآباء أو المعلمين عن الحد اللائق في الجزاء وشدتهم. ولا عجب في ذلك؛ فإنه إذا أخطأ طفل كان له من فعله باعث شديد على أن يكذب تخلصا من العقاب، ولا سيما إذا أصم الوالد أو المعلم أذنه عن استماع معاذيره أو كان كثير التسامح والغض؛ ولذلك يرى «لوق» أن اعتراف الطفل بذنبه من تلقاء نفسه أمر يجب أن يقابل بالمدح وإعفائه من العقاب.
هذا ولا يصح أن يتهم الطفل بقول الكذب من غير سبب صحيح؛ لأنه إن عوقب على جرم لم يجترمه قام في نفسه أثر الفعل لو كان فعله. وإذا شعر الطفل أنه فقد حسن سمعته بالنسبة لفضيلة بعينها لم يرغب بعد ذلك في الحصول عليها؛ لأنه يرى أنه لا فائدة من محاولة تحصيلها بعد إذ ثبت عليه ضدها، وعلى ذلك يفقد الطفل باعثا من أقوى البواعث على التحلي بهذه الفضيلة.
من ثم كان واجبا على المعلمين أن يناجوا شعور الأطفال بشرفهم. فقد وجد بالتجربة أن هذا من أنجح الوسائل لتربية الطفل.
قيل إن الدكتور أرنولد لم يكن يتهم تلميذا من تلاميذه بقول الكذب، بل كان يصدقهم في كل ما يقولون، ولقد بلغ من أمر هذا السلوك أن أحد تلاميذه قال في هذا الصدد: «إن من العار أن نكذب على أستاذنا مرة ما دام أستاذنا يصدقنا في كل ما نقول.»
الفصل التاسع
تكوين الفضائل النفسية أو التربية الأدبية
صفحة غير معروفة