إذا ما عرف الإنسان أن يؤلف بين نتيجة طاعة غرائزه الأصلية وبين الغرائز ذاتها؛ فإنه لا مندوحة له من قصد هذه النتيجة إذا هو بعد ذلك أطاع هذه الغرائز. (2)
والأمر كذلك في الأفعال اللامصلحية؛ فإننا نتعلم أن ندرك جمال مثل هذه الأفعال، وإن في التفكير في هذا الجمال للذة. كما أننا في الوقت ذاته نعطف، وللعطف من إحداث سرور للغير لذة لازبة. (3)
إذا تعارض الحق واللذة، آثرنا الحق على اللذة بما أن الحق جزء من اللذة بل هو الجزء الأبقى.
هذا المذهب يرى أن السعادة يمكن أن تقاس بمقدار اللذائذ والآلام. ولكن جد الصعوبة هي في معرفة المدى والحد الذي إليه يمكن أن تقدر أو تقاس هذه السعادة؛ أي هي في اختيار وحدة ثابتة للقياس.
يرى بنتام «1748-1832» أن كل اللذائذ في صفتها سواء، ولكنها تختلف في شدتها، ومدة بقائها، وأمد اقترابها ومقدار التأكد من حدوثها ولكن ستيوارت ميل يخالفه في ذلك، ويرى أن اللذائذ تختلف في صفتها كما تختلف في شدتها ومقدارها، وهذا هو الرأي السائد.
ولكنا إذا اتخذنا من صفة اللذة وشدتها ومدى بقائها وغير ذلك مقياسا؛ فلا يزال يستحيل علينا معرفة حقيقة مقدار أي سعادة؛ وذلك أنه لما كان الناس - لاختلافهم - يجدون السعادة في أمور مختلفة فكل منهم لا يمكن أن يحكم إلا بما يصيب من اللذة لا بما يؤدي إلى سعادة الغير.
زد على ذلك أنه لا يمكن أن يعبر عن أي لذة بمقدار ثابت؛ لأننا إذا عمدنا إلى تحصيل شيء بعينه من اللذة لم يكن في تحصيله من اللذة ما يداني لذة تتأتى من مجيئه عفوا غير متعمل له. على أن القليل من اللذة قد يكون أدعى إلى التلذذ من كثيرها، وذلك لحصول التنوع فيه فضلا عن أن الأمر مرتبط بالظروف التي قد تحيط بنا وبحالتنا الجسمانية أي الصحية فما يخفى أن اللذة التي نشعر بها في أقصاها ونحن أصحاء تفقد بعض مقدارها إن لم تفقدها كلها إذا جاءتنا ونحن مرضى.
قد ينكر النفعيون المبدأ القائل بأن لذة الفرد الذاتية هي الغرض الأقصى من أفعالهم، دفعا بأن في رغبة المرء في الفضيلة والتماسها تطوعا كبيرا وسعيا عظيما إلى تحقيق سعادة الغير وإن لم يترتب على تلك الرغبة والسعي سعادة للمرء ذاته، وبأن أخص صفات الأفعال اللا مصلحية أنها تفعل كلها للذة الغير وحده وسعادته.
على أنه مهما أقيم من الاعتراضات على النفعية فإنه لا إنكار أن انتشار تعاليمها كان ذا أثر قوي فعال ثابت في تقرير الخير في العالم.
قال توماس جرين (1836-1882) في سياق الكلام عن النفعية: «إنها لم تشرب الناس شعورا أكبر بالواجب نحو الغير من سواها، على أنه ليس في المذاهب الأخرى ما يستطيع ذلك. وإنما هي تدعو أولئك الذين تنبهت قلوبهم إلى هذا الشعور أن يكونوا أكثر نزاهة في تقرير من هم «الغير » وأن يعتبروا بني آدم أجمعين هم هذا «الغير». على أن النفعية تدعو فوق ذلك إلى تقرير التساوي السياسي بين الناس وترقية مستواهم الاجتماعي، على مبدأ أن لكل فرد من الناس حقا في التماس نصيب من السعادة يعادل نصيب غيره.»
صفحة غير معروفة