أصول السرخسي
محقق
أبو الوفا الأفغاني
الناشر
لجنة إحياء المعارف النعمانية
الإصدار
الأولى
مكان النشر
حيدر آباد
تصانيف
أصول الفقه
وَالْمَقْصُود مَا فِي بَاطِن الْكتاب لَا عين الْكتاب فَلَا يتم ضَبطه إِلَّا بِمَعْرِفَة ذَلِك وَلِهَذَا اسْتحبَّ المتقدمون من السّلف تقليل الرِّوَايَة وَمن كَانَ أكْرمهم وأدوم صُحْبَة وَهُوَ الصّديق ﵁ كَانَ أقلهم رِوَايَة حَتَّى رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ إِذا سئلتم عَن شَيْء فَلَا ترووا وَلَكِن ردوا النَّاس إِلَى كتاب الله تَعَالَى
وَقَالَ عمر ﵁ أقلوا الرِّوَايَة عَن رَسُول الله ﷺ وَأَنا شريككم
وَلما قيل ل زيد بن أَرقم أَلا تروي لنا عَن رَسُول الله ﵇ شَيْئا فَقَالَ قد كبرنا ونسينا وَالرِّوَايَة عَن رَسُول الله شَدِيد
وَقَالَ ابْن عَبَّاس ﵄ كُنَّا نَحْفَظ الحَدِيث والْحَدِيث يحفظ عَن رَسُول الله ﷺ فَأَما إِذا ركبتم الصعب والذلول فهيهات فقد جمع أهل الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب آثارا كَثِيرَة ولأجلها قلت رِوَايَة أبي حنيفَة ﵁ حَتَّى قَالَ بعض الطاعنين إِنَّه كَانَ لَا يعرف الحَدِيث
وَلم يكن على مَا ظن بل كَانَ أعلم أهل عصره بِالْحَدِيثِ وَلَكِن لمراعاة شَرط كَمَال الضَّبْط قلت رِوَايَته
وَبَيَان هَذَا أَن الْإِنْسَان قد يَنْتَهِي إِلَى مجْلِس وَقد مضى صدر من الْكَلَام فيخفي على الْمُتَكَلّم حَاله لتوقفه على مَا مضى من كَلَامه مِمَّا يكون بعده بِنَاء عَلَيْهِ فقلما يتم ضبط هَذَا السَّامع لِمَعْنى مَا يسمع بعد مَا فَاتَهُ أول الْكَلَام وَلَا يجد فِي تَأمل ذَلِك أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يرى نَفسه أَهلا بِأَن يُؤْخَذ الدّين عَنهُ ثمَّ يكون من قَضَاء الله تَعَالَى أَن يصير صَدرا يرجع إِلَيْهِ فِي معرفَة أَحْكَام الدّين فَإِذا لم يتم ضَبطه فِي الِابْتِدَاء لم يَنْبغ لَهُ أَن يجازف فِي الرِّوَايَة وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يشْتَغل بِمَا وجد مِنْهُ الْجهد التَّام فِي ضَبطه فيستدل بِكَثْرَة الرِّوَايَة مِمَّن كَانَ حَاله فِي الِابْتِدَاء بِهَذِهِ الصّفة على قلَّة المبالاة وَلِهَذَا ذمّ السّلف الصَّالح كَثْرَة الرِّوَايَة وَهَذَا معنى مُعْتَبر فِي الرِّوَايَات والشهادات جَمِيعًا أَلا ترى أَن من اشْتهر فِي النَّاس بخصلة دَالَّة على قلَّة المبالاة من قَضَاء الْحَاجة بمرأى الْعين من النَّاس أَو الْأكل فِي الْأَسْوَاق يتَوَقَّف فِي شَهَادَته
فَهَذَا بَيَان تَفْسِير الضَّبْط
وَأما الْعَدَالَة فَهِيَ الاسْتقَامَة
يُقَال فلَان عَادل إِذا كَانَ مُسْتَقِيم السِّيرَة فِي الْإِنْصَاف وَالْحكم بِالْحَقِّ
وَطَرِيق عَادل سمي بِهِ الجادة وضده الْجور
وَمِنْه يُقَال طَرِيق جَائِر إِذا كَانَ من البنيات
ثمَّ الْعَدَالَة نَوْعَانِ ظَاهِرَة وباطنة
فالظاهرة
1 / 350