23 (وهي صورة تلقي بنا في مرآة القرون الخوالي)، إلا أن المفسرين - سيرا على تقليدهم المرعي - وضعوا لكلمة إبليس اشتقاقا لغويا عربيا أصيلا، فلم يعد اسما واردا من اللسان اليوناني عبر اليهود والمسيحيين، وإنما أصبح من «الإبلاس» أي اليأس التام من رحمة الله، وهو مصدر الخطيئة الأولى للبشر، بعد أن أغوى «آدم» و«حواء» ليأكلا من الثمرة المحرمة. وهو أساس كل بلاء وانحراف عن جادة الصواب.
ويرجح «العقاد» أن تكون كلمة شيطان من مادة: شط، شاط، شوط، شطن. وهي معان فيها البعد والضلال والتلهب والاحتراق، بحيث تستوعب أصول المعاني التي تفهم من كلمة الشيطان جميعها.
24
وإذا كان «إبليس» في العقائد القديمة إلها للشر، تحول مع التطور العقلي إلى ملاك عاص أو إلى جني، فإن القرآن الكريم يقول:
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (البقرة: 30-34).
أما لماذا أبى «إبليس» واستكبر، وماذا كانت النتيجة، فهذا ما يجيب عنه الحوار التالي:
قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين (الحجر: 32-40).
فهنا أيضا «إبليس» ملاك عاص، يقف ممتلكا قدرات هائلة، لا يملكها المخلوق، فهو في موقف التحدي مع الإله، ويعلن تمرده، بل ويكرر قسمه في أكثر من آية بالالتزام بتمرده والاستمرار والإصرار عليه. انظر مثلا مواجهته ربه مقسما بذاته: «بعزتك لأغوينهم أجمعين». وليست هذه الغواية سوى رد على غواية الله له:
رب بما أغويتني لأزينن لهم ...
الآيات.
صفحة غير معروفة