الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة

عادل مصطفى ت. 1450 هجري
92

الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة

تصانيف

plucking instances

ولكن لسبب مختلف. أسميها الشواهد «المقتلعة»؛ لأنها تمسك بالعقل وتسحبه، و«الباضعة» لأنها تشق الطبيعة شقا؛ لذا أيضا أسميها «شواهد ديمقريطس»،

74

إنها شواهد تذكر الذهن بالدقة المدهشة والمعجبة للطبيعة، فتثيره وتوقظه وتحضه على أن يولي الطبيعة الانتباه والملاحظة والتمحيص الذي تستحقه، مثال ذلك: أن نقطة من الحبر يمكن أن تخط كل هذه الحروف أو السطور، أن قطعة من الفضة مذهبة من الخارج فحسب يمكن أن تمط إلى كل هذا الطول من السلك المذهب، أن دودة دقيقة كالتي توجد في الجلد تحتوي على روح وعلى بنية محددة من الأجزاء، أن قليلا من الزعفران يصبغ ويلون برميلا كاملا من الماء، أن قليلا من الزباد

civet

أو المسك يملأ حجما أكثر بكثير من الهواء ويفعمه برائحته، أن قليلا من البخور يبعث سحابة هائلة من الدخان، أن فروقا دقيقة من الأصوات المنطوقة في كلمات تحمل خلال الهواء بطريقة ما وتخترق حتى ثقوب ومسام الخشب والماء (وإن بصورة أضعف) ويرجع صداها حقا بهذه السرعة والدقة، أن الضوء واللون يتخلل بسرعة - حتى من مسافة بعيدة - المادة الصلبة للزجاج والماء ويملؤها بهذا التنوع المدهش من الصور وينكسر أيضا وينعكس، أن المغناطيس مؤثر خلال كل صنف من المادة حتى أشده صلابة. وأعجب من هذا بعد أنه في هذه الأشياء جميعا تجد فعل أحدها في وسط محايد كالهواء لا يعيق الآخر، بحيث إن فضاءات (أماكن) الهواء في الوقت نفسه تحمل صورا كثيرة جدا كروائح البنفسج والورد، وكذلك الحرارة والبرودة والقوى المغناطيسية، كلها - أكرر - في الوقت نفسه ودون أن يمنع أحدها الآخر، كأنما لكل منها طرائقه ومساراته الخاصة بمعزل، ودون أن يصدم أحدها الآخر أو يكتسحه.

ولكن هناك ملحقا مفيدا أضيفه إلى «الشواهد الباضعة »، وهو ما أسميه «حدود البضع»؛ ذلك أنه في الأشياء التي ذكرتها فإن الفعل لا يعرقل أو يعوق الفعل الذي من نوع مختلف، غير أنه قد يقهر ويطفئ فعلا آخر من نفس النوع، كما يفعل ضوء الشمس بضوء الشمعة، وصوت المدافع بالصوت العادي، وكما تغلب الرائحة النفاذة الرائحة الألطف، والحرارة الشديدة الحرارة الخفيفة، وكما تعوق شرائح الحديد المدسوسة بين مغناطيس وقطعة حديد أخرى، تعوق عمل المغناطيس، ولكن هذا الموضوع أيضا سوف يجد موضعه الملائم بين «دعائم الاستقراء». ••• (44) فرغنا الآن من الحديث عن الشواهد التي تساعد الحواس، والتي تفيد الجانب المعلوماتي من مشروعنا بصفة رئيسية، فالمعلومات تبدأ من الحس، ولكن المشروع ككل ينتهي في الممارسة، هذه هي نهاية الأمر كما أن المعلومات هي بدايته؛ لذا فالشواهد التالية ستكون تلك التي تفيد الجانب العملي بصفة رئيسية وهي نوعان، وهناك سبعة منها، وقد أطلقت عليها جميعا الاسم العام «الشواهد العملية»

practical instances . هناك عيبان في الجانب العملي وقسمان مناظران من الشواهد المهمة، فالممارسة إما أن تخذلنا وإما أن تجهدنا، والسبب الرئيسي في الفشل في التطبيق (خاصة بعد أن تكون الطبائع قد درست بعناية) هو عدم تحديد قوى الأجسام وأفعالها وعدم قياسها على نحو دقيق، توصف قوى الأجسام وأفعالها، وتقاس بواسطة أبعاد المكان أو بواسطة لحظات الزمن أو بواسطة وحدات الكم (المقدار) أو بفعالية غالبة، إذا لم تقس هذه العوامل الأربعة بأمانة ودقة فستكون لدينا - ربما - علوم جيدة نظريا، ولكنها فارغة من النتائج العملية، وأنا أطلق على الشواهد الأربعة التي تناظر هذه اسما واحدا هو «الشواهد الرياضية»

mathematical instances

و«شواهد القياس»

صفحة غير معروفة