72
التي أسميها أيضا «شواهد الملجأ الأخير»
instances of last resort ، وهي الشواهد التي تزودنا بمعلومات عندما تخذلنا الحواس خذلانا تاما، ولذلك نلجأ إليها إذا ما عجزنا عن الحصول على شواهد ملائمة، يحدث هذا الاستبدال بطريقتين: إما بالتقريب المتدرج وإما بالمماثلة (الأنالوجي)، مثال ذلك: لا يوجد وسط معروف يوقف تماما عمل المغناطيس في جذب الحديد، فلا الذهب - حين تضعه بينهما - يوقفه ولا الفضة ولا الحجر ولا الزجاج ولا الخشب ولا الماء ولا الزيت ولا القماش ولا المواد الليفية ولا الهواء ولا اللهب ... إلخ، إلا أنه قد يكتشف وسط ما - بالاختبار الدقيق - يمكن أن يضعف عمل المغناطيس أكثر من غيره بشكل نسبي وبدرجة ما، مثلا قد يكتشف المرء أن المغناطيس لا يجذب الحديد خلال سمك من الذهب مثلما يجذبه خلاله نفس السمك من الهواء، أو لا يجذب الحديد خلال الفضة الساخنة مثلما يجذبه خلال الفضة الباردة، وهكذا في حالات مماثلة، وأنا لم أجر تجارب في هذه وإنما أوردها كأمثلة، وبالمثل لا يوجد جسم معروف في الخبرة البشرية لا يكتسب حرارة حين يوضع قرب نار، ولكن الهواء يكتسب الحرارة أسرع بكثير مما يكتسبها الحجر، ذلك هو الاستبدال بالتدرج.
أما الاستبدال بالمماثلة (الأنالوجي) فهو بالتأكيد أكثر نفعا ولكنه أقل يقينا، ومن ثم ينبغي أن يستخدم بشيء من الحذر، وهو يحدث حين يوضع شيء غير محسوس أمام الحواس، لا بعمليات مدركة من جانب الجسم غير المدرك نفسه، بل بملاحظة جسم مدرك مشابه، افترض مثلا أننا ندرس مزيجا من الأرواح - التي هي أجسام غير مرئية - فيظهر أن هناك نوعا من الألفة بين الأجسام ووقودها أو المادة التي تغذيها، فوقود اللهب (غذاؤه) هو - فيما يبدو - الزيت والمواد الدهنية، ووقود الهواء الماء والمواد المائية؛ لأن اللهب يشتد على أبخرة الزيت، والهواء يتغذى على بخار الماء. علينا إذن أن ندرس مزيج الماء والزيت، إذ هو مدرك بالحواس؛ لأن مزيج الهواء والنار يند عن الحواس، غير أن الزيت والماء لا يمتزجان - حين تضمهما أو تقلبهما - إلا امتزاجا ضئيلا متعثرا للغاية، ولكن في العشب والدم وأجزاء الحيوانات تمتزج نفس الأشياء امتزاجا تاما سلسا، ومن ثم قد يكون هناك شيء مماثل لذلك في حالة مزج أجزاء نارية وهوائية في الأرواح، فالأشياء التي لا تمتزج بسهولة بمجرد إضافتها معا يبدو أنها تمتزج في أرواح النباتات والحيوانات، خاصة أن كل روح حي يتغذى على مواد رطبة من كلا النوعين - المائي والدهني - كوقود مناسب.
كذلك إذا كان بحثنا لا يتناول مزيجا تاما للأرواح بل مجرد مركب منها، أي نبحث ما إذا كانت الأرواح مندمجة معا بسهولة أم أن هناك - مثلا - رياحا أو أبخرة أو أجساما روحية أخرى لا تمتزج بالهواء العادي بل تتعلق وتطفو به فحسب في هيئة حبيبات وقطرات، وتتكسر وتنشطر بالهواء، غير مدخلة وغير مدمجة فيه، هذا الشيء لا يمكن إدراكه بالحواس في الهواء العادي والأجسام الروحية الأخرى؛ بسبب خفتها المتناهية، غير أن بوسعنا أن نتصور ما يحدث عن طريق نوع من الصورة أو التمثيل مستفاد من السوائل كالزئبق والزيت والماء، وأيضا في الدخان الكثيف، وأخيرا في التراب المثار المعلق في الهواء، وفي كل حالة من هذه لا يوجد دمج، هذا التمثيل الذي وضعته في هذا الموضوع لا بأس به شريطة أن نبحث أولا بدقة: هل يمكن أن يكون هناك مثل هذا التباين بين الأرواح مثلما هو موجود بين السوائل؛ لأنه إذا أمكن ذلك فقد يتسنى استبدال هذه الصور بواسطة المماثلة دون مصاعب.
ورغم أني قلت: إن بالإمكان الحصول على معلومات من هذه «الشواهد المكملة» كملجأ أخير إذا أعوزتنا الشواهد المباشرة، إلا أني أود أن يكون مفهوما أنها أيضا ذات نفع كبير عندما تكون الشواهد المباشرة متوافرة، وذلك بغرض تعزيز المعلومات التي تقدمها الشواهد المباشرة، إلا أني سوف أعرض لها بدقة أكبر عندما يفضي بنا الحديث - في موضعه - إلى تناول «دعائم الاستقراء»
supports of induction . ••• (43) وفي المرتبة العشرين بين شواهد الامتياز سأضع «الشواهد الباضعة»
cleaving instances ،
73
التي أسميتها أيضا «الشواهد المقتلعة»
صفحة غير معروفة