واحتشادها لتكوين الأجسام الطبيعية، كذلك عندما يتأمل الإنسان في الطبيعة وهي تعمل بحرية، فإنه يلتقي بأجناس شتى من الأشياء: حيوانات، نباتات، معادن، ومن هنا ينزلق بسهولة إلى تصور أن في الطبيعة صورا أولية للأشياء تريد أن تنتجها، وأن ما عدا ذلك من تنويعات إنما يأتي من جراء عوائق وأخطاء للطبيعة في إنجاز مهمتها، أو من صراع بين الأجناس المختلفة، أنتجت الفرضية الأولى مذهب الخواص الأولية، والثانية أنتجت مذهب الخواص الخفية والقوى النوعية، وكلا التصورين ينتميان إلى تلك الفئة من المختصرات الفكرية الفارغة التي فيها يسترخي العقل وينصرف عن موضوعات أكثر أهمية، وحسنا يفعل الأطباء حين يكبون على الخواص الثانوية للمادة وعمليات الجذب والطرد والتكثيف والبسط والقبض والتشتيت والنضج وما إلى ذلك،
38
ولقد كانوا حريين بتحقيق تقدم أكبر لو لم يعمدوا إلى التصورات المبسوطة التي تحدثت عنها (أي الخواص الأولية والقوى النوعية) فيفسدوا بها هذه الملاحظات القويمة باختزالها إلى خواص أولية وأخلاط دقيقة غير قابلة للمقايسة، أو بعدم تتبعها بملاحظات أكثر قوة ودقة إلى خواص ثالثة ورابعة، والتوقف فجأة عن الملاحظة قبل الأوان، مثل هذه القوى (أو ما شابهها) لا ينبغي أن نبحث عنها بين أدوية الجسم البشري فحسب، بل أيضا في العوامل التي تغير الأجسام الطبيعية الأخرى.
وأشد خطرا من ذلك أنهم يبحثون ويتقصون المبادئ الساكنة للأشياء التي «منها» أتت الأشياء نفسها إلى الوجود وليس المبادئ المتحركة التي «بواسطتها» أتت،
39
فالأولى تتعلق بالحديث، والثانية بالعمل، وليس ثمة أي قيمة في التمييزات الشائعة للحركة والتي نلحظها في الفلسفة الطبيعية التقليدية، مثل: الكون والفساد والزيادة والنقصان والتغير والحركة الموضعية، فكل ما تعنيه هو أنه إذا ما تحرك جسم - هو على ما هو عليه فيما عدا ذلك - من مكانه، فهذه هي الحركة الموضعية (النقل)، فإذا تغير في الكيف بينما بقي المكان والنوع على حاله فهذا هو «التغير»
alteration ، أما إذا نتج من هذا التغير أن الكتلة نفسها وكم الجسم لم يظلا كما هي فهذه هي حركة «الزيادة»
augmentation
و«النقصان»
diminution ، فإذا استمر التغير إلى أن تبدل النوع نفسه والجوهر ذاته، فهذا هو «الكون»
صفحة غير معروفة