أنصاف الثائرين
اقتلها
صح
البطل
اقتلها
اقتلها
تأليف
يوسف إدريس
السيجار
ربما للمرة النادرة الثالثة أو الرابعة في حياتي، حدث ذلك الشيء الذي كثيرا ما يحلم به أي راكب اعتاد ركوب الطائرة وحيدا، حتى أصبحت مسألة من يكون جاره، وكيف يكون، أهم ما يخطر بباله قبل وأثناء - وربما بعد - الركوب. بضربة حظ مفاجئة، والمقاعد حولي وعبر الطائرة كثيرة وفارغة، وجاءت الحلوة الطويلة ذلك الطول السامق، الذي نفتقده في شرقياتنا العظيمات القصيرات، مبتسمة ابتسامة المرحب بك، وبكل ما يمكن أن يدور بخلدك، حمراء الشعر، حمراء النمش، حمراء البياض، والحمرة درجات ودرجات، وبالدقة مرسومة وموزعة، حمراء لحمرتها هالة، وكأن آلهة الجمال تسلط عليها من يوم ولادتها كشافا مسرحيا، متلون الحمرة يتبعها أنى تتوجه، ولها يصبح الظل والواجهة، والمسقط والبروفيل! جاءت وتلفتت واختارت - دون المقاعد جميعها - ذلك المجاور لي واعتلته، فعلى الفور أصبح الكرسي عرشا! وردا على ابتسامتها المرحبة، أطلقت تحية لها ألف ابتسامة ترحيب؛ ملكة من بافاريا بكل إرادتها اختارتني لأكون شعبها الوحيد المحظوظ، بل الظاهر أن صمام الحظ، كان قد أفلت من قبضة النحس تماما، وقبل أن تقلع الطائرة كانت قد طلبت مني مطلبا صعبا جدا، ومن فرط جسامته يكاد يكون مستحيلا؛ أن أتفضل وأتنازل وأسمح، وأكون دليلها حين تصل إلى القاهرة، دليلها إلى أوتيل لائق؛ فهذه أول مرة لها في الشرق، تحلم به منذ عاشت، والقاهرة بالذات كانت دائما مركز الحلم؛ ولهذا فلم تمض في بيروت إلا يوما واحدا، ومن فرط لهفتها ذهبت إلى المطار دون حجز! ومن حظها الحسن أنهم ارتضوا الوضع، وها هي الآن في الطائرة، وبعد أقل من ساعتين ستكون في قلب المدينة الحلم!
صفحة غير معروفة