122

إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب

الناشر

مطبعة سفير

مكان النشر

الرياض

تصانيف

الِاقْتِضَاءِ وَالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ بِقَوْلِهِ: دَلَالَةُ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ ... فِي الْفَنِّ تَقْصِدُ لَدَى ذَوِيه أَنْ يُقْرَنَ الْوَصْفُ بِحُكْمٍ إِنْ يَكُنْ ... لِغَيْرِ عِلَّةٍ يُعِبْهُ مَنْ فَطِنْ وَعَرَّفَ أَيْضًا الْإِيمَاءَ وَالتَّنْبِيهَ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ: وَالثَّالِثُ الْإِيمَا اقْتِرَانُ الْوَصْفِ ... بِالْحُكْمِ مَلْفُوظَيْنِ دُونَ خِلْف وَذَلِكَ الْوَصْفُ أَوِ النَّظِيرُ ... قِرَانُهُ لِغَيْرِهَا يَضِيرُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، لَوْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، لَكَانَ الْكَلَامُ مَعِيبًا غَيْرَ مُنْتَظِمٍ عِنْدَ الْفَطِنِ الْعَارِفِ. وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، هُوَ عِلَّةُ قَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، وَعَلِمْتَ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ عَامٌ. فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تُعَمِّمُ مَعْلُولَهَا، وَقَدْ تُخَصِّصُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَيْتِ مَرَاقِي السُّعُودِ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَ آيَةِ الْحِجَابِ عَامٌ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ عَامًّا بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ الْقُرْآنِيَّةِ. فاعلم أن الحجاب واجب، بدلالة القرآن على جميع النساء (١) (٢).

(١) أضواء البيان، ٦/ ٥٨٤ - ٥٨٥. (٢) وقال العلامة الشنقيطي ﵀ أيضًا: «وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ آيَةِ الْحِجَابِ عَامٌّ هُوَ مَا تُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ، مِنْ أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ يَعُمُّ حُكْمُهُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، وَلَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِذَلِكَ الْوَاحِدَ الْمُخَاطَبَ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي سُورَةِ «الْحَجِّ»، فِي مَبْحَثِ النَّهْيِ عَنْ لَبْسِ الْمُعَصْفَرِ، وَقَدْ قُلْنَا فِي ذَلِكَ; لِأَنَّ خِطَابَ النَّبِيِّ ﷺ لِوَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِهِ يَعُمُّ حُكْمُهُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ، لِاسْتِوَائِهِمْ فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَخِلَافُ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي خِطَابِ الْوَاحِدِ، هَلْ هُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ الدَّالَّةِ عَلَى عُمُومِ الْحُكْمِ؟ خِلَافٌ فِي حَالٍ لَا خِلَافٌ حَقِيقِيٌّ، فَخِطَابُ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ صِيغَةُ عُمُومٍ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ; لِأَنَّ اللَّفْظِ لِلْوَاحِدِ لَا يَشْمَلُ بِالْوَضْعِ غَيْرَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا يَشْمَلُهُ وَضْعًا، فَلَا يَكُونُ صِيغَةَ عُمُومٍ. وَلَكِنَّ أَهْلَ هَذَا الْقَوْلِ مُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ خِطَابِ الْوَاحِدِ عَامٌّ لِغَيْرِهِ، وَلَكِنْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ خِطَابِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ. أَمَّا الْقِيَاسُ فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ قِيَاسَ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُخَاطَبِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ اسْتِوَاءِ الْمُخَاطَبِينَ فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ مِنَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ. وَالنَّصُّ كَقَوْلِهِ ﷺ فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، وَمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ» [أخرجه مالك في الموطأ، ٥/ ١٤٣١، وأحمد، برقم ٢٧٠٠٦، ويأتي تخريجه. قَالُوا: وَمِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ حَدِيثُ: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ». قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ: اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ»، لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصِلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حَبَّانَ، قَوْلُهُ ﷺ فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَالَ صَاحِبُ كَشْفُ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْإِلْبَاسِ عَمَّا اشْتُهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ»، وَفِي لَفْظٍ: «كَحُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ»، لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ; كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثَ الْبَيْضَاوِيِّ. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ كَالْزَرْكَشِيِّ: لَا يُعْرَفُ. وَسُئِلَ عَنْهُ الْمُزِّيُّ وَالذَّهَبِيُّ فَأَنْكَرَاهُ، نَعَمْ يَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ، فَلَفْظُ النَّسَائِيُّ: «مَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ»، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ»، وَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَلْزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ الشَّيْخَيْنِ بِإِخْرَاجِهَا لِثُبُوتِهَا عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ الْكَبِيرِ: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ» لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصِلٌ إِلَى آخِرِهِ، قَرِيبًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ، انْتَهَى. قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ بِقَافَيْنِ مُصَغَّرًا، وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ، وَرَقِيقَةٌ أُمُّهَا، وَهِيَ أُخْتُ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَقِيلَ: عَمَّتُهَا، وَاسْمُ أَبِيهَا بِجَادٌ - بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ جِيمٍ - ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ التَّيْمِيُّ، تَيْمُ بْنُ مُرَّةَ. وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ: خِطَابٌ وَاحِدٌ لِغَيْرِ الْحَنْبَلِ ... مِنْ غَيْرِ رَعْيِ النَّصِّ وَالْقَيْسِ الْجَلِي انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَ آيَةِ الْحِجَابِ عَامٌّ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا خَاصًّا بِأَزْوَاجِهِ ﷺ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَزْوَاجِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِنَّ كَقَوْلِهِ لِمِائَةِ امْرَأَةٍ، كَمَا رَأَيْتَ إِيضَاحَهُ قَرِيبًا» [أضواء البيان، ٦/ ٥٨٩ - ٥٩١].

1 / 128