161

مقتطفات من السيرة

تصانيف

من أخلاق الرسول ﷺ
وسيدنا الحبيب ﷺ رغم عداء قريش له كانت لا تحفظ أماناتها إلا عنده، فقال لـ علي: نم هنا، فإذا طلع الصباح أعد أمانات قريش إلى أصحابها.
فهم يبحثون عنه ليقتلوه، وهو يبحث ليعيد الأمانة، فانظر إلى هذه الأخلاق! ورحم الله أمير الشعراء إذ يقول في الحبيب ﷺ: يا من له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء زانتك في الخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع العظماء فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وأحدهم قبل البعثة أراد الرسول في شيء، فقال له: انتظرني عند الكعبة قبل الغروب، فذهب الرسول ينتظر كما وعد الرجل، فلم يأت، وفي اليوم الثاني لم يأت، فقعد ستة أيام، وفي اليوم السابع جاء الرجل ماشيًا فرأى النبي ﷺ جالسًا فقال: ما الذي يجلسك هكذا يا محمد؟! فقال: يا بني! هذا سابع يوم أنتظرك.
فهو قد أعطى الرجل كلمة أنه ينتظره قبل الغروب، فمر أول يوم فقال: أنتظر ثاني يوم، وهكذا حتى جلس سبعة أيام ينتظره، ومن يعمل منا هكذا، فنحن نتشكك حتى نلغي المواعيد.
والمستشرقون يقولون: لو لم يكن محمد رسولًا لكانت أخلاقه تصلح أن تكون وحدها رسالة.
وما ضرب امرأة ولا خادمًا بيده قط، إلا في سبيل الله ﷿.
وفي غزوة بدر قال أمام الصحابة قبل احتدام المعركة: من جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن أخذت من ماله شيئًا فهذا مالي فليأخذ منه ما يشاء.
فقال سواد بن عبد الله رضوان الله عليه: أنا يا رسول الله! قال له: ماذا؟ قال: ضربتني، قال: وماذا تريد؟ قال: أضربك كما ضربتني.
فالصحابة هابوا، فقال: أين ضربتك؟ قال: على ظهري، فقال الحبيب: وهذا ظهري وانحنى ﷺ، فقال: لا، لقد ضربتني بدون ثوب، فلا أضربك على القميص الذي تلبسه، فكشف عن كتفيه، فأكب سواد يقبل خاتم النبوة ويبكي ويقول: يا رسول الله! ربما لا يكون لي حياة بعد الغزوة، فلربما رزقت الشهادة، فأريد أن يكون آخر ما يقع نظري عليه خاتم النبوة، وسمعتك تقول: (من نظر إلى خاتم النبوة فلن يدخل النار يوم القيامة).
وما كان لـ سواد بن عبد الله أن يجلد ظهر خير عباد الله ﷺ.
فالرسول ﷺ تركه بعد أن حصنه بكلمات الله ليلة الهجرة خرج والمشركون واقفون صفين، ووضع التراب على رءوسهم وقرأ سورة ياسين، ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [يس:٩]، ثم غادر المكان إلى أبي بكر حيث كان ينتظره ومعه الراحلة وعبد الله بن أريقط وعامر بن فهيرة، وسار في الطريق في كنف الله ﷿، ونام علي فقال الله ﷿: يا جبريل! يا ميكائيل! اهبطا، لتكون أنت يا جبريل! عند رأس علي، وأنت يا ميكائيل! عند أقدام علي، فإن أرادوا عليًا بسوء فخذوهم، فإني أفدي حياته، لأنه فدى حياة حبيبي محمد ﷺ.
فهو مربى على الشجاعة وعلى التضحية وعلى الذود عن الذمار والدفاع عن الحرمات، رضوان الله عليه.

8 / 15