كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطا
محقق
طه بن علي بوسريح التونسي
الناشر
دار سحنون للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٨ هـ
مكان النشر
دار السلام للطباعة والنشر
تصانيف
مالكٌ أنه بلغه أن رسول الله ﷺ قال: «استقيموا ولن تُحصوا».
هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية، و«استقيموا»: أمر بالاستقامة المشتقة من القوام أي: عدم الاعوجاج، قال سحيم:
وكنت إذا غمزت قناة قومٍ ... كسرت كعوبها أو تستقيما
أي: تعتدل ويزول اعوجاجها. والمراد بالاستقامة هنا معناها المجازي، أي: حسن العمل. ويقال في ضده مجاز بضده، وهو الزيغ أصله الاعوجاج.
وقوله: «ولن تُحصوا» أي: ولن تحيطوا بكمال الاستقامة. وحقيقة الإحصاء معرفة كامل العدد ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: ٢٨]. واستعمل مجازًا في العجز عن العمل. شُبهت قوة العمل بكثرة المعدود، فأطلق على العجز عن القيام بالعمل القوي اللفظ الموضوع للعجز عن معرفة العدد الكثير، وأطلق نفي الإحصاء على نفي الاستطاعة، وهو إطلاق فصيح، قال تعالى ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ [المزمل: ٢٠] أي: لن تستطيعوا قيام الليل كله.
والواو في قوله: «ولن تحصوا» واو الحال، أي: استقيموا وأنكم لن تحصوا غاية الاستقامة، والكلام مسوق مساق الإغراء بالعمل، كما تقول: افعل كذا ولا تقدر؛ لأن الإنسان يأنف من نسبته إلى التقصير، فإذا قلت له: لا تقدر أو نحوه، صرف جهده للعمل، فيأتي به كاملًا أو مقاربًا، ومن هذا القبيل قولهم: «ولا أظنك تفعل».
ما جاء في المسح على الخُفين
المسح على الخفين: رخصة شرعية جعلت عوضًا عن غسل الرجلين الثابت بنص القرآن، فقُيد الإطلاق الذي في آية الطهارة المائية بما ثبت بالسنة من مسح النبي ﷺ على الخفين. وهذه الرخصة من سماحة الإسلام ويُسره، فإن من الناس من
1 / 86