لا علاقة بين الموضوعين؛ بل ولا قياس بين الواقعين لاختلافهما. وليس هناك لفظ عام لا من جهة الآتي ولا الذي يؤتى إليه حتى يقال أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولو صح حمل الآية على العموم لصح ذلك في قوله تعالى: ﴿َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم﴾ (الممتحنة:١٢).فلو صح الاستدلال بالآية المذكورة على المجيء إلى قبر النبي ﵌ لكان هنا من باب أولى ولا أحد يقول بهذا.
رابعًا: يدعي الصوفية أن العبرة في هذه الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ولكن هاهنا سؤال: ألم يكن الصحابة من هذا العموم؟!!
إذا كان الجواب: نعم. فمَن مِن الصحابة عمل بمقتضى هذا المفهوم الذي تزعمونه؟ لقد تركوا التوسل به ﵌ - كما عند البخاري - ولم يأتوا قبره ولم يثبت عن واحد منهم أنه جاء إلى قبره ﵌ وطلب الاستغفار هناك بعد موته. وهذا يؤكد أن هذا العموم قد انقطع بموته ولو كانت العبرة بالعموم لفعلوه بعد موته ﵌.
وإذا كانت الآية عامة لزم منه أن خير القرون قد عطلوا هذا الواجب وتجاهلوه حتى جاء المتأخرون وعملوا به، أو أن السلف جهلوه وضلوا عنه وفقهه الخلف!!!
خامسًا: هذا القول فيه مصادمة لقول النبي ﵌: «لا تجعلوا قبري عيدًا» (رواه أبو داود وصححه الألباني)؛ لأنه حينئذ سيكون عيدًا للمذنبين كلما أذنبوا.
سادسًا: مادام أنها ليست من سنة الرسول ﵌ ولا فعل خلفائه الراشدين، وصحابه المكرمين، ولا من فعل التابعين والقرون المفضلة وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول، نقلت بسند ضعيف فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد الذي هو أصل الأصول، وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نهى فيها ﵌ عن الغلو في القبور والغلو في الصالحين عموما وعن الغلو في قبره والغلو فيه ﵌ خصوصًا.
* وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارَض بها النصوص الصحيحة وتخالَف من أجلها عقيدة السلف فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم وتكون الحجة مع من خالفهم. وما دمنا قد علمنا طريق الصواب فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان فليس ديننا مبنيًا على الحكايات والمنامات. وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة.
سابعًا: كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله، وسنة رسوله ﵌ بقول حكاه حاكٍ مستحسنا له، والله سبحانه يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور:٦٣)
فطاعة رسول الله ﵌ مقدمة على طاعة كل أحد، وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر، كما قال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي ﵌، وتقولون: نهى أبو بكر وعمر. (رواه الإمام أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر).
فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة، والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبي الضعيفة المنكرة.
ثامنًا: ما يضير هذا المستغفر إذا توجه إلى الله وتاب من ذنوبه، وطلب من الله المغفرة ...؟ أو اختار أحد الصالحين الأحياء وكلفه أن يدعو له فلا مانع من ذلك كما طلب عمر من العباس ﵄ أن يستسقي للمسلمين بعد وفاة رسول الله ﵌، ولم يطلب عمر ﵁ من رسول الله بعد وفاته أن يستسقي للمسلمين.
ولو كان هذا جائزًا لفعله عمر ﵁ ولكن لم يفعل ذلك ... لأنه يعلم أن رسول الله التحق بالرفيق الأعلى ولم يعد يستطيع الدعاء وما أشبه ذلك.
تاسعًا: يقول الله تعالى: (﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ و(إذ) هذه ظرف لما مضى، وليست ظرفًا للمستقبل، لم يقل الله ﷿: «ولو أنهم إذا ظلموا» بل قال: ﴿إِذ ظَّلَمُواْ﴾ فالآية
1 / 77