عمدة الرعاية بتحشية شرح الوقاية

عبد الحي اللكنوي ت. 1304 هجري
144

عمدة الرعاية بتحشية شرح الوقاية

قال المؤرخ ابن خلدون(1) في ((تاريخه)): قد تقول بعض المتعصبين إلي إن منهم من كان قليل البضاعة في الحديث، ولا سبيل إلى هذا المعتقد في كبار الأئمة؛ لأن الشريعة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة، ومن كان قليل الحديث فتعين عليه طلبه وروايته، والجد والتشمير في ذلك؛ ليأخذ الدين عن أصول صحيحة، ويتلقى الأحكام عن صاحبها المبلغ لها.

وإنما قلل منهم من قلل الرواية؛ لأجل المطاعن التي تعتريه فيها، والعلل التي تعرض في طرقها، والجرح مقدم عند الأكثر، فيؤديه الاجتهاد إلى ترك الأخذ بما يعرض مثل ذلك فيه من الأحاديث وطرق الأسانيد، مع أن أهل الحجاز أكثر رواية للأحاديث من أهل العراق؛ لأن المدينة دار الهجرة ومأوى الصحابة، ومن انتقل منهم إلى العراق كان شغلهم بالجهاد أكثر.

والإمام أبو حنيفة إنما قلت روايته لما شدد في شروط الرواية والتحمل، وضعف رواية الحديث اليقيني إذا عارضها الفعل النفسي، وقلت من أجل ذلك روايته فقل حديثه، لا أنه ترك رواية الحديث عمدا، فحاشاه من ذلك، ويدل على أنه من كبار المجتهدين في الحديث اعتماد مذهبه فيما بينهم، والتعويل عليه، واعتباره ردا وقبولا، وأما غيره من المحدثين، وهم الجمهور فتوسعوا في الشروط، فكثر حديثهم، والكل عن اجتهاد، وقد توسع أصحابه من بعده في الشروط، وكثرت روايتهم، وروى الطحاوي فأكثر، وكتب مسندا. انتهى(2).

صفحة ١٥٥