[83_2]
كل هذا التبدل في الأوضاع والمنازع شاهده نابغة العجم في الإسلام عبد الله بن المقفع، ومرت ذكراه على خاطره، ونظر في مرآته بعينه؛ ومن هذه الأحداث ما كان يوم حدوثه حدثا فتيا؛ ومنه ما شاهده في إبانه، وهو رجل تام الرجولية، يعرف المصدر والمورد، ويقيس الماضي بالحاضر، ويسعى لتقوى الحكومة الصالحة في شعب صالح، موحد المقاصد في شرعه ومدنيته، آخذا في طريق سعادته حرا أبيا، ومسلما حنيفا.
أصله ونشأته:
كان المبارك والد عبد الله بن المقفع من مجوس مدينة جور في بلاد فارس، تولى بعض أعمال الخراج للحجاج بن يوسف الثقفي أيام إمارته على العراق وبلاد الشرق، فمد يده فيما قيل إلى أموال السلطان، فضربه الحجاج ضربا مبرحا حتى تقفعت يده أي تشنجت فسمي بالمقفع، وولد عبد الله، وكان اسمه أولا روزبه ويكنى أبا عمرو، في مدينة جور على الأغلب، وهي بلدة نزهة من أجمل المدن وأعمرها، على عشرين فرسخا من شيراز، وإليها ينسب الورد الجوري الأحمر.
وربما كان لأول ما فتحت عينه عليه من مناظر الطبيعة الخلابة، وهو في بيت يسار ونعمة، أعظم التأثير في غرامه بالحسن والإحسان، ولربما تأثر لما رأى في صباه بيت النار العظيم في بلده، يدخله أهله وجيرانه للعبادة، وقد كتب عليه بالفهلوية: إنه أنفق عليه ثلاثون ألف ألف درهم.
لم تعلم سنة مولد ابن المقفع بالتحقيق، ويقول الجهشياري إنه كتب لدواوين عمر بن هبيرة علي كرمان. وعمر بن هبيرة عزله هشام بن عبد الملك عن العراق والشرق سمة خمس ومائة، وقال: إنه كتب أيضا للمسبح بن الحواري في نيسابور في ولاية عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، قبيل زوال الدولة الأموية. ويحتمل بهذا ان يكون عبد الله بن المقفع ولد في عشر التسعين ظنا، ولا يعقل أن يكتب
صفحة ٨٣