يلعب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية دورا مهما في تحديد مسار سياسة التنمية بالأمم المتحدة، لكن حتى بمعايير الأمم المتحدة يظل عمل المؤتمر محدودا، فبعد أربعة عقود من العمل، يملك مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية هيئة عاملين دائمة تقدر بنحو أربعمائة فرد (أغلبهم في جنيف) وميزانية سنوية منتظمة قدرها 50 مليون دولار، وهو يقدم النصح ويعد البيانات ويقدم المساعدة الفنية وينظم مؤتمرا كبيرا كل أربعة أعوام (ومؤتمرا يركز على احتياجات الدول الأقل نموا كل عشرة أعوام). يحشد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الدعم وينسق الجهود، لكنه لا يصوغ السياسات. (3-3) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
مثل إنشاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1965 علامة فارقة في مسار السياسة الإنمائية العالمية. كان هدف البرنامج المبدئي هو التنسيق بين «البرنامج الموسع للمساعدة التقنية» و«صندوق الأمم المتحدة الخاص»، اللذين بدآ العمل في عامي 1949 و1959 على الترتيب، وذلك من أجل الاستجابة على نحو أفضل لاحتياجات العدد المتزايد من الدول المستقلة حديثا.
وفي العقود التالية صار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - الذي اعتمد على الإسهامات الطوعية من جانب الدول الأعضاء - جزءا متزايد الأهمية من الأمم المتحدة . من مؤشرات ذلك حقيقة أن مدير البرنامج - أو المدير التنفيذي - يحتل رسميا المرتبة الثالثة في هيكل الأمم المتحدة بعد الأمين العام والأمين العام المساعد، لكن في هذا الصدد لم يصر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي رمزا لأمل العالم الثالث في تحاشي هيمنة الدول الغنية على المساعدات الإنمائية؛ فعلى غرار البنك الدولي، ظل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت هيمنة الأمريكيين أغلب الوقت، وقد كسر تعيين البريطاني مارك مالوك براون في عام 1999 هذه العادة أخيرا، وقد خلفه في عام 2005 كمال درويش، وزير الشئون الاقتصادية التركي الأسبق.
بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبرامج السابقة عليه كمؤسسات تقدم العون (والتدريب) الفني، وكبيت خبرة عالمي ينتج دراسات جدوى، لكن على مر العقود صارت المساعدات الإنمائية المقدمة من جانب الأمم المتحدة مشروعا عالميا قيمته مليارات الدولارات، وبحلول عام 1989 وصلت الإسهامات المقدمة للبرنامج إلى 1,1 مليار دولار. يملك البرنامج 4700 عضو وأكثر من 130 مكتبا ميدانيا، وقد عمل في 152 دولة وإقليما. وبعد ذلك بأقل من عقدين، تضاعفت الميزانية أكثر من أربع مرات لتصل إلى قرابة 4,5 مليارات دولار (في عام 2005). أمر مثير للإعجاب، لكن لا يزال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي متخلفا بقدر كبير عن البنك الدولي الذي أقرض نحو 30 مليار دولار، وكان يعمل به أكثر من ثمانية آلاف موظف في العام ذاته.
هذه أرقام كبيرة، ومن الجلي أنه بحلول عام 1990 تحقق بالفعل قدر كبير من التقدم. لخص برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أبرز الإنجازات على هذا النحو:
ما بين عامي 1960 و1987، زاد الأجل العمري المتوقع في دول الجنوب بمقدار الثلث (مع أنه لا يزال يساوي 80 بالمائة من نظيره بالدول المتقدمة).
ما بين عامي 1970 و1985، تحسن التعليم المتاح لدول الجنوب تحسنا كبيرا؛ على سبيل المثال: ارتفعت معدلات معرفة القراءة والكتابة من 43 بالمائة إلى 60 بالمائة في دول الجنوب.
ما بين عامي 1965 و1980، ارتفع الناتج القومي للفرد بنحو 3 بالمائة كل عام في الدول النامية.
ما بين عامي 1960 و1988، انخفضت معدلات وفيات الأطفال بمقدار النصف.
باختصار، أثناء مرور النظام الدولي بمرحلة التحول من الحرب الباردة إلى الحقبة الجديدة، بدت هناك وفرة من الأسباب الداعية للتفاؤل. وبالفعل، شهدت دول الجنوب إرساء «ظروف للتقدم الاقتصادي والاجتماعي». ومع انتهاء الصراعات الأيديولوجية بين الشرق والغرب، بدأ البحث عن وكلاء إقليميين من خلال المساعدات العسكرية يتلاشى لمصلحة عمليات حفظ السلام وبناء السلام العديدة في مناطق الصراع في العالم، وقد دفعت حقبة العولمة بمعدلات النمو العالمية إلى مستويات قياسية في التسعينيات، ومع أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ربما لم يلعب دورا كبيرا في الحث على مثل هذه التغيرات، فإنه استطاع - وله مبرره في هذا - الشعور بالثقة بأنه حان الوقت لوضع «البشر في مركز عملية التنمية من حيث النقاش الاقتصادي والسياسة الاقتصادية والدعم الاقتصادي»،
صفحة غير معروفة