في الواقع، لم يكن هناك نقص في عدد الدول المتقدمة للعضوية. لكن الحرب الكورية (1950-1953) جعلت أي تعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مستحيلا. علاوة على ذلك، كان هناك خلاف سوفييتي-أمريكي بشأن طريقة الاختيار: فبينما كان الاتحاد السوفييتي يرغب في عقد صفقة شاملة تضمن إضافة عدد متساو تقريبا من الدول المؤيدة للاتحاد السوفييتي والدول المؤيدة لأمريكا والدول المحايدة للأمم المتحدة، أصرت الولايات المتحدة على أن يحسم أمر كل دولة متقدمة للعضوية وفق مدى جدارة هذه الدولة بعينها، وكانت النتيجة الوصول إلى طريق مسدود؛ إذ لم يضف أي أعضاء للمنظمة لمدة خمس سنوات بعد عام 1950.
ومع هذا فإن أكثر ما أضر بمصداقية الأمم المتحدة في الخمسينيات والستينيات كان الجدل الذي نشب حول طلب جمهورية الصين الشعبية الانضمام للأمم المتحدة ومجلس الأمن. فبعد انتصار جمهورية الصين الشعبية - أو «الصين الشيوعية» كما سماها أغلب السياسيين الأمريكيين - بالحرب الأهلية في عام 1949، زعمت أنها الممثل الشرعي ل «كل» الصينيين. قوبلت هذه الفكرة برفض محموم من جانب جمهورية الصين (أو تايوان)، التي كانت حليفا للولايات المتحدة وتلقت منها الدعم المستمر. ولأكثر من عقدين ظلت تايوان - الجزيرة الصغيرة المقابلة لساحل الصين التي فر إليها القوميون الصينيون بعد انتصار الشيوعيين - تمثل الصين في الأمم المتحدة. والأهم من ذلك أن تايوان تمتعت بحق النقض في مجلس الأمن وكأنها واحدة من القوى العظمى الخمس في العالم. وفقط في عام 1971، حين رغبت إدارة نيكسون في إنشاء علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، غيرت واشنطن سياستها الخاصة بعدم الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية. لكن بكين ظلت مصرة على تمثيل الصين كلها. ومن ثم حلت جمهورية الصين الشعبية محل تايوان في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وخرجت الجزيرة الصغيرة وسكانها الذين يقدر عددهم بحوالي 22 مليونا من عباءة الأمم المتحدة.
مع أن ظهور الحرب الباردة أثر على نحو جوهري على فعالية الأمم المتحدة في أول عقد لها، فقد ظهر عدد من التطورات الإيجابية أيضا. أهم هذه التطورات قاطبة هو تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، وهو وثيقة جرى التفاوض حولها تحت قيادة إلينور روزفلت، أرملة الرئيس الراحل روزفلت. أيضا، في عام 1948، أرسلت الأمم المتحدة أول مراقبي السلام إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط. وفي الشرق الأوسط تحديدا، توسط ناشط الحقوق المدنية رالف بانش بنجاح في اتفاقيات الهدنة بين دولة إسرائيل الوليدة وجيرانها العرب في عامي 1948 و1949. وفي الفترة نفسها، نشطت الأمم المتحدة في التعامل مع احتياجات لاجئي الحرب العالمية الثانية الأوروبيين، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى إنشاء مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين في عام 1950.
إلا أن هذه العلامات البارزة لم تستطع إخفاء حقيقة أنه خلال العقد الأول من عمرها، كانت الأمم المتحدة رهينة للمناخ الدولي المشحون بشدة. وتحديدا، كان التحول في طبيعة الحرب الباردة هو ما حل مشكلة العضوية التي وصلت لطريق مسدود، تلك المشكلة التي بدأت في منتصف الخمسينيات تقوض مصداقية الأمم المتحدة كمنظمة دولية منفتحة بحق. (5) إنهاء الاستعمار والتنمية
انضمت ست عشرة دولة إلى الأمم المتحدة في عام 1955، وهو ما وصل بعدد الدول الأعضاء إلى ست وسبعين دولة. جاء هذا التوسع نتيجة لصفقة شاملة انضمت بموجبها دول من أوروبا الشرقية - مثل ألبانيا وبلغاريا والمجر - في مقابل انضمام دول من أوروبا الغربية، مثل إيطاليا والبرتغال وإسبانيا. إضافة إلى ذلك، ضمت الصفقة الشاملة عددا من الدول الأوروبية المحايدة (النمسا وفنلندا وأيرلندا) وقلة من الدول المستقلة حديثا (كمبوديا ولاوس وليبيا).
عكست الصفقة الشاملة التي عقدت في عام 1955 هدوءا مؤقتا في التوتر بين الشرق والغرب في أعقاب وفاة ستالين ونهاية الحرب الكورية. لكن بعدها بعام واحد تصاعد التوتر الدولي مجددا مع انفجار أزمتين في الوقت ذاته تقريبا؛ ففي أكتوبر عام 1956 تدخلت القوات السوفييتية لسحق الحركة الديمقراطية في المجر. لم يثر ذلك القمع الوحشي أي رد فعل من جانب الولايات المتحدة، وهو ما يرجع في جزء منه إلى تزامنه مع الهجوم الفاشل لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر بعد إعلان الزعيم المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس. ومن قبيل المفارقة أن صارت أزمة قناة السويس أول قضية مهمة يقف فيها الأمريكيون والسوفييت الموقف نفسه داخل الأمم المتحدة؛ إذ صوتت الدولتان لمصلحة قرار يدعو للانسحاب الفوري للقوات الأجنبية من مصر.
توصف أحيانا أزمة السويس عام 1956 باللحظة التي بلورت نهاية الطموحات الاستعمارية الأوروبية، وفي السنوات التي تلتها حصلت أغلب المستعمرات البلجيكية والبريطانية والفرنسية على استقلالها، وأثناء الحصول على استقلالها سعت الدول الجديدة بكل جد لنيل الاعتراف الدولي، وكان أحد أهم رموز سيادتها القومية هو نيل عضوية الأمم المتحدة.
ليس من قبيل المفاجأة إذن أن يبدو عدد الدول التي انضمت للأمم المتحدة في عام 1955 ضئيلا بالمقارنة بالتوسع الذي تبعه؛ فبين عامي 1956 و1968 زاد عدد الأعضاء إلى 119 (بحلول عام 1962، كانت الأمم المتحدة قد ضاعفت عدد مؤسسيها الأصلي البالغ واحدا وخمسين دولة). وباستثناءات قليلة (اليابان، التي انضمت عام 1956، هي أبرزها)، تألف الأعضاء الجدد من مستعمرات أفريقية وآسيوية سابقة لقوى أوروبية. أغلب هذه الدول كان متخلفا اقتصاديا بالمقارنة بالأعضاء الأصليين. وفي القرن الحادي والعشرين لا تزال الصراعات المحلية تدمر دولا عديدة منها، وقد صارت هذه الدول مسارح دائمة للعديد من عمليات الأمم المتحدة.
شكل 1-3: نمو عدد أعضاء الأمم المتحدة منذ عام 1945.
اشتركت الدول الجديدة في سمة أخرى، وهي أن أغلبها رفض الانحياز لأحد جانبي الصراع بين الشرق والغرب، واختار بدلا من ذلك الانضمام لما سمي بحركة عدم الانحياز. بدأت الحركة باجتماع خمس وعشرين دولة في بلجراد، يوغوسلافيا في عام 1961. وعبر العقود التالية نمت حركة عدم الانحياز لتضم أكثر من مائة دولة سمت عن الانخراط في الحرب الباردة. وفي عام 2006 مثلا، عقدت الحركة قمة أخرى في هافانا بكوبا. وقد أصبحت حركة عدم الانحياز، منذ السبعينيات، أكبر تجمع للدول الممثلة بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
صفحة غير معروفة