علوم الحديث ومصطلحه
الناشر
دار العلم للملايين
رقم الإصدار
الخامسة عشر
سنة النشر
١٩٨٤ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
خُرَاسَانَ وَغَيْرِهِمْ وَمِنَ البَغْدَادِيِّينَ. فَلَمَّا اطْمَأَنَّ المَجْلِسُ بِأَهْلِهِ، انْتُدِبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ العَشَرَةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَسَأَلَهُ عَنْ آخَرَ فَقَالَ: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَمَا زَالَ يُلْقِي عَلَيْهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ عَشَرَتِهِ، وَالبُخَارِيُّ يَقُولُ: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَكَانَ الفُقَهَاءُ مِمَّنْ حَضَرَ المَجْلِسَ يَلْتَفِتُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُولُونَ: فَهِمَ الرَّجُلُ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ يَقْضِي عَلَى البُخَارِيِّ بِالعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَقِلَّةِ الْفَهْمِ. ثُمَّ انْتُدِبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ مِنَ الْعَشَرَةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ المَقْلُوبَةِ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَلَمْ يَزَلْ يُلْقِي إِلَيْهِ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ عَشَرَتِهِ، وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ: «لاَ أَعْرِفُهُ»، ثُمَّ انْتُدِبَ إِلَيْهِ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إِلَى تَمَامِ العَشَرَةِ، حَتَّى فَرَغُوا كُلُّهُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ المَقْلُوبَةِ، وَالبُخَارِيُّ لاَ يَزِيدُهُمْ عَلَى: «لاَ أَعْرِفُهُ»، فَلَمَّا عَلِمَ البُخَارِيُّ أَنَّهُمْ قَدْ فَرَغُوا، الْتَفَتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: «أَمَّا حَدِيثُكَ الأَوَّلُ، فَهُوَ كَذَا، وَحَدِيثُكَ الثَّانِي فَهُوَ كَذَا، وَالثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ عَلَى الوَلاَءِ»، حَتَّى أَتَى عَلَى تَمَامِ العَشَرَةِ، فَرَدَّ كُلَّ مَتْنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ، وَكُلَّ إِسْنَادٍ إِلَى مَتْنِهِ، وَفَعَلَ بِالآخَرِينَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَدَّ مُتُونَ الأَحَادِيثِ إِلَى أَسَانِيدِهَا، وَأَسَانِيدَهَا إِلَى مُتُونِهَا، فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْفَضْلِ (١).
ومنشأ الضعف في الحديث المقلوب قلة الضبط، لما يقع فيه من تقديم وتأخير واستبدال شيء بشيء. وهو - فوق ذلك - يخل بفهم السامع ويحمله على الخطأ (٢).
(١) " التدريب ": ص ١٠٦، ١٠٧، و" التوضيح ": ٢/ ١٠٤، و" ألفية السيوطي ": ص ١٢٢ هامش.
(٢) " التوضيح ": ٢/ ١٠٣.
1 / 195