علماء السلف وأهل الوقت
الناشر
بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٠ هـ
مكان النشر
الرياض
تصانيف
علماء السلف
وأهل الوقت
تأليف الشيخ
عبد الكريم بن صالح الحميد
حفظه الله
1 / 2
[المقدمة: والفرق بين علماء السلف واهل الوقت]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، هذه رسالة مجملة لبيان الفرقان بين حال السلف في شأن العلم والتعليم والعمل وحال أهل الوقت، وليس كلّ الفروق ذكرت لئلا يُفهم حصرها في ذلك، كما أن كلّ واحد من هذه الفروق يحتمل في شرحه كلام كثير.
فهذه رؤوس أقلام تكشف ما ورائها، والله الموفق.
١ - (علماء السلف): لا يتعلمون إلاَّ علوم الدين ويذمّون من يتعلم غيره.
(أهل الوقت): يتعلمون علومًا مخلوطة من علوم الدين وعلوم صحيحة غير نافعة لا يضر الجهل بها تُزاحم علم الدين وتُضْعفه وعلوم باطلة في نفسها تُفسد الاعتقاد، ويمدحون من يتصف بذلك ويُعَدِّلونه ويُشرّفونه.
1 / 3
٢ - (علماء السلف): لو كان الرسول حيّ لما امْتَنَعوا ولا خافوا مِنْ عَرْض كتبهم وعلومهم عليه.
(أهل الوقت): لايُمْكنهم ذلك لعلمهم بما حصل منهم بعده من التغيير والتبديل.
٣ - (علماء السلف): يتعبّدون الله بطلب العلم وتعليمه.
(أهل الوقت): يطلبون به المال والرياسة فهو مصدر رزق وشهرة، ويُنكرون على من يذمّ ذلك.
٤ - (علماء السلف): يذمون من يريد بعلمه المال والرياسة ويبغضونه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
(أهل الوقت): يمدحون من يتعلم لنيل المناصب والشرف.
٥ - (علماء السلف): لا يطلبون العلم إلاَّ مَمن يَرْضَوْنه ويختارونه.
(أهل الوقت): تُفرض عليهم المشايخ والمعلمين ولا اختيار لهم بذلك مهما تكن حالهم.
1 / 4
٦ - (علماء السلف): لا يُفرض ويُوَجَّب عليهم علم لا يُريدونه.
(أهل الوقت): يُفرض ويوَجّب عليهم علم الدين والضلال معًا ولا يُوجِّب غير الله ورسوله.
٧ - (علماء السلف): يعتقدون الكمال في تحصيل علوم الدين مع العمل بها كما دلّ على ذلك الكتاب والسنة.
(أهل الوقت): الكمال عندهم في الإكثار من هذه العلوم المخلوطة مهما تكن.
٨ - (علماء السلف): يتعلمون ويُعلّمون في المساجد ولَوْ تعلّموا وعلّموا في مواضع أخرى فعلى كيفية التعليم في المساجد.
(أهل الوقت): لا يكفيهم التعليم في المساجد لعدم حصول الشهادات فيها التي هي مفاتيح المال والرياسة.
1 / 5
٩ - (السلف): يُؤثِّر فيهم العلم التجافي عن الدنيا والرغبة في الآخرة.
(أهل الوقت): يؤثّر فيهم العلم شدّة الحرص على المال والرياسة ويتسابقون إلى ذلك كما هو ظاهر جلي.
١٠ - (السلف): لا يرضون بل يُنكرون أن يُخلط لهم العلم بالصور لأنَّ الصورة محرمة والمواضع التي توجد فيها تحلّها الشياطين وتبتعد عنها الملائكة.
(أهل الوقت): علومهم مخلوطة بالصور، فتجد آيات القرآن والحديث بين الصور وهم يصوّرون ولا يبالون.
﴿وتحسبونه هيِّنًا وهو عند الله عظيم﴾.
١١ - (السلف): لا يطلبون العلم في مواضع يرون فيها المنكرات إلاَّ بالإنكار وأن يتغيّر المنكر أو يُفارقون.
(أهل الوقت): لا تخلو مواضع طَلَبهم من المنكرات وهي غير قابلة للتغيير.
1 / 6
١٢ - (السلف): لا يُقَيِّمون الشخص ويشهدون له بالعلم بمجموع حصيلته من الحق والباطل.
(أهل الوقت): يقيّمون الشخص ويشهدون له بالعلم بمجموع حصيلته من الحق والباطل وبذلك يحْصُل على الشارات والرُّتب.
١٣ - (السلف): لا تُصرف هممهم وإرادتهم لمجرد تحصيل علوم مخلوطة وشهادات يعلمون أنَّها وسائل للمال والرياسة.
(أهل الوقت): تُصرف هممهم وإرادتهم لتحصيل الشهادات وهي مفاتيح المال والرياسة ويسمونه المستقبل.
١٤ - (السلف): لا يطلبون بالعلم أموال السلاطين ولا أعمالهم، بل يَحذرون ذلك ويُحذرون عنه.
1 / 7
(أهل الوقت): يتسابقون على أموال السلاطين وأعمالهم ويحضّون على ذلك ويدعون إليه.
١٥ - (السلف): لا يدخلون بشيء من الباطل للدعوة.
(أهل الوقت): يدخلون مداخل أهل الباطل بدعوى الدعوة.
١٦ - (السلف): يعظمون الحق فقط عِلمًا وعملًا ويعظمون أهله.
(أهل الوقت): يُعظمون الحق والباطل وأربابهما ويُهينون مَن عارضهم مُقتصرًا على الحق المجرد والسنة المحضة في العلم والتعليم وكيفية ذلك الإخلاص فيه والمتابعة.
١٧ - (السلف): لا يسمون الحق والباطل جميعًا علمًا، ولا أرباب ذلك علماء مطلقًا.
1 / 8
(أهل الوقت): يسمون الحق والباطل جميعًا علمًا وأرباب ذلك علماء، ويستدلون بالآيات والأحاديث التي فيها مدح علم الوحي على علومهم.
١٨ - (السلف): لا يأمنون على الأحداث من هبّ ودبّ لا في التعليم ولا الزمالة.
(أهل الوقت): المطلوب في التربية من يحمل شهادة مهما تكن حاله.
١٩ - (السلف): ليس عندهم مستقبل في علمهم وعملهم إلاَّ طلب الجنة والهرب من النار.
(أهل الوقت): الذي يُسمونه المستقبل من أعظم القواطع لهم عن الجنة وطلبها وتذكر النار والهرب منها حيث يشغل ذلك قلوبهم.
٢٠ - (السلف): لا يتشبهون بأهل الكتاب والأعاجم.
(أهل الوقت): مناهجهم في جميع مراحل علمهم وعملهم مغمور بالتشبه بأهل الكتاب والأعاجم.
1 / 9
٢١ - (السلف):لا يتعلمون غير لغة القرآن الكريم لغة محمد ﷺ.
(أهل الوقت): لغات الأعاجم ملازمة لهم ويبالغون في أهميتها.
٢٢ - (السلف): يأمرون بمطالعة كتب العلوم الدينية الصحيحة واقتنائها وينهون عن غيرها واقتنائها.
(أهل الوقت): يحضون على القراءة والمطالعة واقتناء الكتب مطلقًا، وهذا عندهم صفة كمال.
٢٣ - (السلف): لا يُقيمون الشخص ويمدحونه بمجرد كثرة علومه، بل بقدر عمله بهذا العلم.
1 / 10
(أهل الوقت): يُقيّمون الشخص ويُزكّونه ويمدحونه بمجرد العلم النظري بأن يجيب على أسئلة توجه إليه من غير نظر للعمل.
٢٤ - (السلف): من أعرض عن الباطل وذمّه يمدحونه ويثنون عليه.
(أهل الوقت): من لم يمهر بالعلوم الباطلة يلقبونه بألقاب سوء مثل: ساقط غبي جاهل ونحو ذلك.
٢٥ - (السلف): أعظم ما يستدلون به في منازعاتهم الكتاب والسنة.
(أهل الوقت): أعظم ما يستدلون به على ما هم عليه بمتبوعيهم لأنَّها لا تقوم لهم حجة من الكتاب والسنة تؤيد ما هم عليه بل تكشف حالهم، وهذا من المشابهة بأهل الكتاب.
٢٦ - (السلف): يستجهلون فقط من لا يعلم علم الدين.
1 / 11
(أهل الوقت): يستجهلون من لم يشاركهم في علومهم وأعمالهم وهذا شبه من الفلاسفة ولو كان إيمانه أحسن منهم.
٢٧ - (السلف): الذي يتعلم منهم شيئًا من الباطل فإنما يتعلمه ليردّ على أهله وليس يُوجّب عليه ولا يساوى له بالحق ولا يختبر به كما تعلّم ابن تيمية المنطق ليردّ على أهله وشتّان بين مشرِّق ومغرّب.
(أهل الوقت): يتعلمون الباطل موجَّب عليهم ويختبرون به وينالون به ما يسمونه (درجات) كما ينالون ما يسمونه درجات بالحق ويوزنون بالمجموع، ويُقَيَّم بالمجموع ويزكى بالمجموع.
٢٨ - (السلف): يعظمون الحق ويحبونه ولم يحصل لهم ذلك إلاَّ بإهانة الباطل وبغضه وهكذا ملة إبراهيم.
1 / 12
(أهل الوقت): يبقى الحق عندهم فنّ من جملة الفنون فيسقط تعظيمه من القلوب بتأثير المزاحم وفساد النية وغير ذلك من الموانع والقواطع.
٢٩ - (السلف): الحق في قلوبهم أجَلّ من أن يشوبوه بما لا يصلح له ممَّا يدنسه.
(أهل الوقت): يخلطون الحق بالهزليات والمضحكات واللعب والصور، وهذا ظاهر جلي في مناهجهم وصحفهم ومجتمعاتهم يتخللها ذلك.
٣٠ - (السلف): لا يُعلمون من يتصف بهذه الأوصاف فيكونون عونًا له على هواه ورئاسته ودنياه لأنَّ من جهّز غازيًا فد غزى ولا يوادّونهم.
(أهل الوقت): الذين يعلمون هؤلاء ولو لم ينتظموا في سلكهم فهم يعينونهم على مطالبهم بالعلوم الدينية مع مايحصل من الصحبة والمودة وهذا سببه زوال الفرقان
1 / 13
وحب الرياسة ولو لم يكن من أضرار ذلك إلاّ قدوة السوء وتحسين أحوال هؤلاء.
1 / 14
ميزان الإرادة في طلب العلم الشرعي
إذاُ عُلم ما تقدم فإنَّه قد ورد النهي والتحذير من طلب العلم الديني لغير وجه الله كإرادة المال والجاه والرئاسة وصرف وجوه الناس ونحو ذلك ممَّا يخالف حال النبي ﷺ وأصحابه ﵃ وهديْهم ممَّا أصبح في وقتنا لا يعاب بل فيه يتنافس المتنافسون، حيث صار علم الدين كسلعة وبضاعة تُطلب للمعاوضات المالية والمقاصد السفليّة الدّنيّة.
قال تعالى: ﴿من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منه وما له في الآخرة من نصيب﴾. (١)
(١) الشورى، آية: ٢٠.
1 / 15
وقال تعالى: ﴿من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهم يصلاها مذمومًا مدحورًا. ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا﴾. (١)
وفي حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من تعلم علمًا ممَّا يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلاَّ ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة) يعني ريحها. (٢)
وعن أبي هريرة ﵁ قال في حديث طويل عن النبي ﷺ فيه (ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلّمته وقرأت فيك
(١) الإسراء، آية: ١٧،١٨. (٢) رواه ابن ماجه وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه.
1 / 16
القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليُقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار ...) الحديث. (١)
وعن كعب بن مالك ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار). (٢) والمماراة هي الجدال.
وأثر علي ﵁ لما ذكر الفتن التي تكون في آخر الزمان، فذكر أمارات وقتها فقال: (إذا تُفقّه لغير الدين، وتُعلّم العلم لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة). (٣)
(١) رواه مسلم وغيره. (٢) رواه الترمذي والبيهقي وغيره. (٣) رواه عبد الرزاق.
1 / 17
وعن ابن مسعود ﵁ قال: (كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويَهْرم فيها الكبير وتُتخذ سنة فإن غُيَّرت يومًا قيل: هذا منكر. قيل: ومتى ذلك؟ قال: إذا قلّت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلّت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم وتُفُقّه لغير الدين والتمست الدنيا بعمل الآخرة). (١)
(١) أخرجه الدرامي والحاكم.
1 / 18
بعض الآثار
قال بشر بن الحارث: طلب العلم إنَّما يدل على الهرب من الدنيا ليس على حبها. (١)
قال الأوزاعي: العلم ما جاء عن أصحاب محمد وما لم يجيء عنهم فليس بعلم.
وحيث أن العلم هو كما قال الأوزاعي ﵀ هو ما جاء عن أصحاب محمد ولذلك فإنَّه لم يأت عنهم سوى ميراث نبيهم ﷺ، وقد حرّق عمر ﵁ الكتب العجمية، ذكر ذلك شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم. (٢)
(١) الحلية ٨/ ٣٤٧. (٢) ص١٢٨.
1 / 19
والعلم يطلب لوجه الله ويبذل لوجهه لا بالمعاوضات المالية، وكم ذكر الله في القرآن قول الأنبياء ﵈ لأقوامهم: ﴿ما نسألكم عليه من أجر﴾.
وهكذا أتباعهم على الحقيقة، قال أبو العالية: علّم مجّانًا كما عُلِّمت مجانًا.
وسُئل إسحاق بن راهويه ﵀ عمّن يحدّث بالأجر؟ قال: لا تكتب عنه. (١)
كذلك يقول الإمام أحمد بن حنبل: لا تكتبوا العلم عمن يأخذ عليه عرضًا من الدنيا. (٢)
وقال أبو زكريا العنبري: العالم المختار أن يرجع إلى حسن حال، فيأكل الطيب الحلال ولا يكسب بعلمه
(١) سير أعلام النبلاء ١١/ ٣٦٩. (٢) طبقات الصوفية.
1 / 20
المال ويكون علمه له جمال وماله من الله منّ عليه وإفضال. (١)
كان بعض المشايخ عند الشيخ عبد الباقي بن يوسف المراغي حين دخل عليه عبد الصمد ومعه المنشور بقضاء همذان فقام الشيخ المراغي وصلى ركعتين ثم أقبل عليهم وقال: أنا في انتظار المنشور من الله على يد عبده ملك الموت، أنا بذلك أليق من منشور القضاء، ثم قال: قعودي في هذا المسجد ساعة على فراغ القلب أحب إليًّ من مُلك العراقين ومسألة في العلم يستفيدها مني طالب علم أحب إليَّ من عمل الثقلين، والله لا أفلح قلب تعلّق بالدنيا وأهلها لم يحصل على طائل من العلم ولو علم ما علم فإنَّما ذلك ظاهر من العلم والعلم النافع وراء ذلك.
(١) سير أعلام النبلاء ١٥/ ٥٣٤.
1 / 21