وتفرق القوم وأهرع العشاق إلى خيامهم، وانقلب تليماك إلى سيف البحر، حيث وقف فوق صخرة ناتئة يناجي مينرفا: «أيها الربة المباركة، يا إلهة الحكمة مينرفا، يا من كنت أمس ضيفة مكرمة تحت سقف هذا البيت أصلي لك - أنا تليماك التعس - وأبتهل أن تباركيني وتسددي خطواتي، وأن تكوني رائدي الأمين في عباب هذا البحر، وأن تشدي أزري وتكوني معي إلبا على هؤلاء الفساق العرابيد، وأن تشرقي في ظلماتي البعيدة، وأن تحلي أمنا وسلاما علي. يا مينرفا، يا مينرفا، استجيبي يا ربة العدالة.»
واستجابت مينرفا وأقبلت في صورة الأمين منطور حتى كانت قبالة تليماك، ثم شرعت تكلمه كلمات هن أروح من أنفاس الفجر، وأندى من نسمات الورد، وأعذب من قطرات الندى: «السلام عليك يا تليماك، السلام عليك حين تثبت أنك ابن أوديسيوس الوفي، وفرع دوحته الوارف، وحيث تبدو فيك بدوات من حوله وطوله وقوة بأسه، وحين تقلع على بركة السماء، وفي عناية الآلهة ورعاية سيد الأولمب، في رحلة لن تكون عبثا. أنت ابن أبيك يا تليماك، أتى بك من بنلوب، وآية ذلك هذه الروح القلقة التي تشيع فيك من أجله، وهذا الجبروت الذي هو نفحة منه، وذاك الصوت الجبار الذي يتلجلج في فمك كأنه فيض من لسانه، وذلك الذكاء الوقاد الذي هو قبس من ذهنه العظيم ... بشراك يا تليماك! لا يحزنك خبال أعدائك؛ فقد أوشك القضاء أن ينقض على رءوسهم فيحطمهم. أنا، أنا هذا الشيخ المهدم، صديق أبيك وأمينة منطور، سأكون معك، وسأخدمك، وأسهر عليك، وأفديك، ولكن لتمض الآن فلتعد للرحلة ما هو حسبها من زاد وعتاد، ونخبة أولي بأس من رجالك الأقوياء، وسأنتقي أنا نفسي أشدهم مراسا وأصدقهم عزيمة. امض على بركة الآلهة، امض لا وقت لدينا فنضيعه، هلم.»
وسكتت مينرفا، ولكن حرارة كلماتها أشرقت بالآمال في نفس تليماك، فذهب وقلبه يخفق بألف أمنية إلى القصر؛ حيث رأى العشاق يذبحون ويعدون نار الشواء، وحيث قفر أنتينوس للقائه ساخرا مستهزئا: «تليماك! ناشدتك الآلهة إلا ما شاركتنا غداءنا واطرحت بغضاءك هنيهة! هلم تحس من هذه الخمر قرقفا أيها الصديق، لا يشغلك أمر هذه الرحلة؛ فقد أمرنا أن يعد لك الآخيون سفينة عظيمة، وقدرا من الزاد كبيرا، وعصبة من الرجال أولي قوة، وستبحر قريبا فتذرع البحار وراء أبيك. هلم، هلم.»
ولكن تليماك عبس عبوسة قاتمة ثم قال: «أنتينوس! إليك عني فما أستطيع مشاركة خصومي السفلة غداءهم، ولا لي قلب فأشرب النخب من يدك، لا بورك لكم هذا الذبح الذي لا يحل لكم، والذي استبحتموه من غير حق، إذ أنا طفل أحبو! أجل، لأستعجلن لكم الخراب، ولأسعين في حتفكم، ولأذهبن إلى بيلوس فأنتصر إذ عزني النصر في إيثاكا، أيها الذئاب، حتى سفائني وعتادي تنكرونها علي.»
وكان اللئيم قد أمسك بيمين تليماك كالمصافح المستهزئ، ولكن تليماك جذبها ساخطا، وترك الكلاب تغمزه وتلمزه، وتستهزئ بهذا العون الذي يرجوه من بيلوس، وتلك الجحافل التي يأمل أن يجردها عليهم من أسبرطة ... «ومن يدري؟ فقد يهتدي إلى أيفير المثمرة فيجد في أعشابها بقلة يدس لنا منها في كئوسنا فتريحه منا»، «بل من يدري؟ فلقد يبتلعه اليم كما ابتلع أوديسيوس من قبل، وتكون هناك الطامة، إنا إذن نقتسم هذا المتاع وتلك الضياع، ثم نمهر أحدنا الذي تختاره بنلوب بعلا لها بهذا القصر المنيف.»
تركهم تليماك ومضى قدما إلى غرفة أبيه بالطابق العلوي، حيث كنوزه التي لا تقدر من عدة للحرب، وذهب مدخر، وخمرة معتقة، وروح أذفر، وخز وديباج، ودر وجوهر، ومغافر
8
أعدت لليوم المنتظر؛ يوم يعود أوديسيوس فيظفر ويقهر، ويطهر بيته من ذاك النفر.
ووجد عندها حارستها يوريكليا فصاح بها: «ربيبة يوريكليا، هيا صبي من خمرك في زقاقي من مدامتك التي ادخرتها لأبي. لا لا، ليس من صفوتها يا ربيبة، احتفظي بصفوتها له، املئي اثني عشر دنا، وهيئي عشرين جوالقا من دقيق، هيا، أعديها كلها لتحمل إلى سفينتي بعد أن تنام الملكة؛ لا يعلمن أحد بأمر رحلتي إلى بيلوس وأسبرطة، حتى ولا أمي، سأرحل ثمة، سأتسمع أخبار.»
أورورا ربة الفجر في الميثولوجية اليونانية وإحدى تابعات أبوللو.
صفحة غير معروفة