خطة أوديسيوس للقضاء على العملاق
والآن خطرت لي فكرة، بدت لي أفضل مما عداها. كان بجانب إحدى حظائر الخراف، هراوة ضخمة لذلك الكوكلوب، عبارة عن عصا غليظة من خشب الزيتون الأخضر، كان قد قطعها وحملها معه لتجف هناك، فلما وقع بصرنا عليها؛ خلناها سارية سفينة سوداء ذات عشرين مجذافا، سفينة تجارية عريضة القوائم، من السفن عابرات الهوة السحيقة. لقد كانت قضيبا بالغ الطول والسمك، فأمسكتها، وقطعت منها جزءا في طول القامة،
9
وأعطيته زملائي، وأمرتهم بتسويته، وصقله. ورحت وأنا واقف إلى جوارهم، أدبب الطرف، ثم حملته بسرعة، وجعلته صلبا في النار المستعرة، ثم أخفيته بعناية بعيدا، تحت روث الأغنام الموجودة بكثرة في أكوام هائلة في نواحي الكهف. وطلبت من رفاقي أن يقترعوا فيما بينهم، عمن يرفع معي ذلك الوتد، ويديره داخل عين العملاق عندما يأخذ الكرى اللذيذ بمعاقد أجفانه، فوقعت القرعة على من كنت أتوق، أنا نفسي، إلى اختيارهم، وكانوا أربعة، وأنا خامسهم، فلما أقبل المساء عاد يسوق قطعانه العظيمة الجزات، وأسرع بإدخال قطعانه السمينة إلى الكهف الفسيح، ولم يترك واحدا منها خارج صحن المغارة المترامي الأطراف؛ إما من باب الحيطة، وإما أن يكون أحد الأرباب قد أمره بذلك، ثم رفع الصخرة عاليا، ووضعها في مكانه، صخرة الباب الضخمة. وما كاد يجلس حتى حلب نعاجه ومعيزه الثاغية، كلا بدوره، ووضع تحت كل أنثى صغيرها. وبعد أن انتهى من عمله، تناول رجلين آخرين، وأعد منهما عشاءه. بعدئذ اقتربت من الكوكلوب، وتحدثت إليه، وأنا أمسك في يدي طاسا من خشب الإتل، مملوءا بالخمر القاتمة، وقلت:
أوديسيوس يثمل العملاق
أيها الكوكلوب، خذ هذه الخمر. «أيها الكوكلوب، خذ هذه الخمر، واشربها بعد وجبتك من لحم البشر، لتعرف أي لون من الشراب، هذا الذي احتوته سفينتنا. لقد أحضرت هذا الشراب، خصيصا لك، كشراب تقدمة، عسى أن تأخذك الشفقة بي، وترسلني في طريقي إلى الوطن، بيد أنك تثور بطريقة تفوق كل ما يمكن احتماله. أيها الرجل الفظ، كيف يستطيع أي رجل، من سائر جموع الناس، أن يأتيك بعد الآن؟ لأنني أراك قد صنعت ما يخالف القوانين.»
هكذا قلت، فأمسك الكأس، وأفرغها في جوفه، وابتهج كثيرا؛ إذ تناول الشراب الحلو، وسألني المزيد منه مرة أخرى، قائلا: «زدني من هذا، ثانية، بقلب رضي، وأخبرني في الحال عن اسمك، حتى يمكنني أن أعطيك هدية ضيف؛ ليبتهج بها قلبك؛ لأن أرض الكوكلوبيس، واهبة الغلال، تحمل عناقيد العنب الغنية بالعصير، وأمطار زوس تمنحها المزيد، غير أن هذه ليست سوى جرعة من الأمبروسيا والنكتار.»
ما إن قال هذا حتى ناولته الخمر المستعرة. ثلاث مرات أصبها له وأعطيه، وثلاث مرات يفرغ الشراب بحمق في جوفه. وبعد أن سلبت الخمر لب الكوكلوب، خاطبته بعبارات رقيقة، قائلا: «تسألني عن اسمي المجيد، أيها الكوكلوب، وعلى ذلك سأذكره لك، حتى تعطيني هدية الضيف، كما وعدتني، إن اسمي هو «لا أحد» فهكذا يسميني أبي وأمي، وجميع رفقائي أيضا.»
هكذا قلت له، فأجابني في الحال بقلب لا يعرف الرحمة، قائلا: «سوف آكل «لا أحد» بعد سائر رفقائه، وآكلهم جميعا قبله، وهذه ستكون هديتي.»
الخمر تلعب بعقل العملاق
صفحة غير معروفة