ويرينا من علوم عصره واختلاط الثقافات فيه لغة العرب ومذاهب الكلام عندهم، وحضارة الفرس وأوصافهم، ومنطق اليونان ودقة معانيهم، واصطلاحات أصحاب الكلام في مجادلاتهم، فمن أي ناحية أتيته تجده شاعر الشخصية وشاعر العصر معا.
وكان أثره بليغا في الآداب؛ لأنه بث روح التجدد في الشعراء، وفتح لهم كنوز المعاني الحديثة فاقتفروا معالمه، وتحداه بعضهم في إنكار القديم، واستكراه أساليب الأعراب، وحضهم بمجونه وصراحته على الاسترسال في العبث والتهتك فاسترسلوا وراءه، وعبثوا وتهتكوا، وفتحوا باب الخلاعة على مصراعيه. (9) أبو تمام 788-845م /172-231ه (؟) (9-1) حياته
هو حبيب بن أوس الطائي، منسوب إلى طيء القبيلة العربية المشهورة، وكنيته أبو تمام وبها عرف. ومنهم من يدفع نسبته إلى طيء، ويزعم أن والده نصراني من أهل جاسم
81
يقال له تدوس
82
العطار، فلما أسلم غير اسمه فصار أوسا.
ولد أبو تمام في القرية المذكورة، فحمله والده إلى مصر وهو طفل، فنشأ فيها حتى إذا ترعرع أخذ يسقي الماء في الجامع، وقيل: بل كان يخدم حائكا ويعمل عنده.
ثم اختلف إلى مجالس الأدباء وأهل العلم فأخذ عنهم، وكان ذكيا فطنا يحب الشعر، فلم يزل يعانيه حتى برع فيه ونبه ذكره، فاتصل بالأمراء ومدحهم فأجازوه ورفعوا قدره.
ويتبين من شعره أنه وفد على المأمون في خلافته فمدحه، ولكنه لم يتصل به كما اتصل بأخيه المعتصم من بعده، فإن المعتصم أعجب بشعره، وقدمه على شعراء زمانه؛ فبعد صيته، واتسعت ذات يده، وكان ولوعا بالأسفار؛ فطفق يتنقل في الولايات ويمدح أمراءها، وهؤلاء يسبغون عليه نعمهم، ولما مات المعتصم واستخلف بعده ابنه الواثق مدحه أبو تمام، ولكنه لم يتصل به اتصاله بأبيه؛ لذلك قلت مدائحه فيه.
صفحة غير معروفة