75
وكنت عليه أحذر الموت وحده
فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
لئن عمرت دور بمن لا أوده
لقد عمرت ممن أحب المقابر
76
وكان صاحبنا يشعر بعجزه في هذا الفن، فإذا رثى أحدا وتعمد الإطالة ستر عجزه بوصف الطيور والوحوش، فيذكر مناعتها في الجو والآكام والجبال، ثم يستفيض في إظهار قوتها ونشاطها وشدة فتكها؛ ليستخلص من جميع ذلك حكمة ساذجة، وهي أن هذه السباع المنيعة لا تنجو من الموت، ولو نجا حي من الموت لكانت أولى من غيرها بالنجاة، ثم ينتقل إلى مرثيه فيزوده ببضعة أبيات ليس فيها ما يحزنك أو يرضيك.
وفي هذا النوع يكثر تكلفه وغريبه، بحيث تشعر أنه يتعمد الإغراب تعمدا؛ ليستر ضعفه وقصر يده، ولنا في رثائه لأستاذه خلف الأحمر أصدق شاهد على ذلك، فقد جاء به وحشي الألفاظ غريبا، يشغل القسم الأكبر منه ذكر الجوارح والوحوش.
هجوه
الهجو في شعر أبي نواس على ثلاثة أقسام: سياسي شعوبي قبلي، وتكسبي، وشخصي ومنه العبثي؛ فالسياسي ما ظهرت به شعوبيته في هجو القبائل العربية، ولا سيما النزارية بعد انتسابه إلى اليمن، وإن تكن حياته الماجنة لم تجعل منه شعوبيا جديا، وكان هجاؤه شديد الوطأة فاحشا مؤلما، فلم يدع قبيلة إلا مزق أعراضها، حتى إنه لم يعف عن قريش بل تهكم بها وعيرها التجارة، ولكنه كان أرفق بها من غيرها؛ لأن النبوة والخلافة فيها.
صفحة غير معروفة