وكان أشد الهجاء لذعا بينه وبين حماد عجرد، وسبب تهاجيهما أن حمادا كان نديما لنافع بن عقبة الأزدي والي البصرة، فسأله بشار تنجيز حاجة له من نافع؛ فأبطأ حماد عنها فغمزه بشار بشعره، فغضب حماد وأخبر نافعا فمنع صلاته عن بشار؛ فلحم الهجاء بينهما نحوا من خمس عشرة سنة حتى مات حماد.
على أن حمادا لم يستطع أن يسقط بشارا بشعره، ولكنه هتكه بالزندقة. وأما بشار فقد أسقط حمادا ببلاغته وفضحه، ولم يقصر في رميه بالثنوية
33
والكفر، قيل: أجمع علماء البصرة أنه ليس في هجاء حماد عجرد لبشار إلا أربعون بيتا معدودة، ولبشار فيه من الهجاء أكثر من ألف بيت، ولكن لم يصل إلينا من تهاجيهما إلا شيء قليل لا يعتد به.
وهذا الهجاء على نزارته يبين لنا شيئا من أسلوب الشاعر في هذا الفن، وما فيه من كبرياء ومضاضة وإيلام؛ فبشار إذا هجا رمى خصمه بالكفر والزندقة؛ مع أنه كان في طليعة الزناديق، فقد كفر حماد عجرد والمهدي وواصل بن عطاء وسواهم، وهو إلى ذلك لا يعف عن الأعراض بل يشتمها شتما قبيحا، وربما استخدم شعره للتكسب الأدبي؛ فإن سيبويه عاب قوله في وصف السفينة: «تلاعب نينان البحار»، وأنكر جمع نون على نينان؛
34
فغضب بشار وهجا سيبويه، فتوقاه سيبويه بعد ذلك، وصار إذا سئل عن شيء فأجاب عنه ووجد له شاهدا من شعر بشار احتج به استكفافا لشره.
وكذلك الأخفش الأوسط
35
عاب عليه جمع النون على نينان، واستعمال الوجلى والغزلى موضع الوجل والغزل؛ فهدده بالهجاء فجزع وصار يحتج بشعره في كتبه.
صفحة غير معروفة