فلما علم أبو مسلم بموته دعا أهل خراسان إلى مبايعة أبي العباس السفاح فأجابوه، ثم سير العساكر لقتال مروان، وكان السفاح قد ذهب بأهله وأنصاره إلى الكوفة، فأظهر دعوته هناك فبايعه أهلها في «12 ربيع الثاني سنة 132ه/28 تشرين الثاني سنة 749م».
وتجهزت العساكر الخراسانية وغيرها من جهة السفاح لقتال مروان، ومقدمها عبد الله بن علي عم السفاح، وتقدم مروان بجيشه إلى الزاب الأعلى؛
12
فالتقته جيوش العباسيين وقاتلته فاندحر مكسورا، واشتفت نفوس الفرس من العرب في ذاك اليوم بعد أن قهرها وأذلها يوم القادسية.
وتعقب جيش السفاح مروان في هزيمته، حتى أدركه في مصر صالح أخو عبد الله بن علي، فقتله واحتز رأسه، وأرسله إلى السفاح.
وبايع أهل مصر العباسيين فاستتب لهم الأمر، وزالت الخلافة الأموية من الشرق بعد مقتل مروان. (7) ميزة العصر
فقد رأيت أن الفضل في بنيان العرش العباسي للفرس عموما، ولأبي مسلم خصوصا؛ فلا غرو أن تصطبغ المملكة العباسية باللون الفارسي، ويكون للفرس صوت بعيد فيها، فيستأثروا بالخطط العالية، ويتولوا شئون الدولة، ويديروا سياستها، ويتمتعوا بجميع الحقوق التي كان العرب يتمتعون بها دونهم؛ فقد أعادت لهم موقعة الزاب سابق عزهم، فغلب عنصرهم على العنصر العربي، وطبعوا العصر العباسي الأول بطابعهم الخاص.
على أننا لا نرى إطلاق الكلام دون احتياط؛ فإن بني العباس في عصرهم الأول كانوا أصحاب حزم وقوة وتدبير، وقد علموا أن الفرس أهل سيادة وبطش، ورأوا منهم إخلاصا ومناصرة؛ فقربوهم وقلدوهم أعمال الدولة، ولكنهم لم يحجموا عن الفتك بكل من يخشى شره منهم، فأبو جعفر المنصور قتل أبا مسلم الخراساني لما داخلته الريبة في إخلاصه، مع أن أبا مسلم هو الذي حمل أعباء الدعوة العباسية على عاتقه، والرشيد نكب البرامكة
13
على بكرة أبيهم؛ لما استفحل أمرهم وقويت شوكتهم، وأحس منهم خطرا على سلطانه.
صفحة غير معروفة