إن قراءة كتابات أفلاطون حول الموضوعات الفلسفية، على سبيل المثال، ستجعلنا نواجه هذا الاختلاف، ونحاول فهم مجتمع إغريقي كان موجودا في القرن الرابع قبل الميلاد، لم تكن الكتابات فيه على شكل كتب مطبوعة، ولكن على شكل مطويات من ورق البردي، ينسخها يدويا عبيد ذلك الزمان؛ مجتمع كانت «الفلسفة» فيه لا تزال نشاطا يمارسه الناس في حياتهم اليومية، وكانت جزءا من منظومة اجتماعية تحتفي بالشراب وولائم العشاء. وحتى عندما أصبحت الفلسفة إحدى المواد الدراسية التي تتناولها المحاضرات والفصول الدراسية، ظلت في حد ذاتها (كما أصبحت إلى حد ما بحلول القرن الرابع) أمرا يختلف تمام الاختلاف عما عهدناه في جامعاتنا ومعاهدنا الحديثة؛ فقد كانت أكاديمية أفلاطون هي أم الأكاديميات، بل إن كلمة
Academy
مأخوذة من اسم لضاحية من ضواحي أثينا. من ناحية أخرى، وسواء أكانت تلك الفلسفة بعيدة عنا أم لا ، فإننا حين نقرأ ما كتبه أفلاطون، نقرأ فلسفة تخصنا نحن أيضا لا هم وحسب. إن كتابات أفلاطون الفلسفية لا تزال تتربع على عرش أكثر الكتابات الفلسفية شيوعا في العالم؛ وحين نقرأ ما كتبه أفلاطون، فإننا حتما نقرؤه باعتباره جزءا من «تراثنا» الفلسفي، في ضوء كل من أتى بعده من الفلاسفة، الذين هم أنفسهم قرءوا ما كتب أفلاطون ... وهذه المنظومة التفاعلية المعقدة من القراءة والفهم والجدل والنقاش هي في حد ذاتها التحدي الذي تواجهه دراسة التراث الكلاسيكي.
إن المعبد الموجود في باساي نموذج فريد من نوعه لا يتكرر؛ وهو يثير أسئلة تختلف عن تلك التي يثيرها غيره من الآثار أو النصوص القديمة. وفي هذا الكتاب سوف نتتبع كل المسارات التي تركها ذلك المعبد على اختلافها، وما به من منحوتات، وما يتعلق به من تاريخ؛ بدءا من المعارك الأسطورية التي تصورها جدرانه (الرجال الذين يقاتلون النساء، والرجال الذين يقاتلون الوحوش) وكذلك الألغاز التي تحيط بالغرض من إنشائه، والوظيفة التي كان يؤديها، واستخداماته، وصولا إلى عمال السخرة الذين بنوه، والمناظر الطبيعية التي تحيط به، ومن زاره من القدماء وأعجب به، وأخيرا، وليس آخرا، الأجيال التي جاءت بعد ذلك ممن أعادوا اكتشافه وأعادوا شرح معانيه وأسراره.
بطبيعة الحال، كل شيء بقي من العالم الكلاسيكي القديم هو شيء فريد من نوعه. وفي نفس الوقت، وكما سيظهر لنا في هذا الكتاب، هناك مشاكل وقصص وأسئلة ودلالات تجمع بين كل تلك البقايا والآثار؛ فثمة موضع في «قصتنا» الثقافية يجمع هذه الأشياء (يجمعها وحدها دون شريك). وذلك كله، والتأمل فيه، هو محور دراسة التراث الكلاسيكي.
الإفريز الموجود في معبد أبوللو في باساي
في اللوحة التالية رتبنا رسومات تخطيطية للمنحوتات التي تزين الجدران العلوية للقاعة الرئيسية داخل معبد أبوللو في باساي. وسنتبع الترتيب المقدم في حجرة باساي في المتحف البريطاني. تفسر المناقشة التي أوردناها في الفصل السابع أهمية هذا الإفريز بشكل أكبر.
الشريط المبين هنا مأخوذ من كتاب برايان سي ماديجان بعنوان «معبد أبوللو في باساي، الكتاب الثاني» (برينستون ، 1992)، وإن كان هذا الترتيب للألواح الثلاثة والعشرين (الذي ابتكره فريدريك إيه كوبر) مختلفا بدرجة كبيرة. جرب حلهما لأحجية الإفريز في مؤتمر خاص للمتحف البريطاني عقد عام 1991. •••
الألواح التي تصور مشهد «هرقل ضد ملكة الأمازونيات» (1) في المنتصف إلى يسار الشريط، أعلى العمود الحر ذي التاج «الكورنثي الطراز»، تواجه زوار المعبد وهم يدخلونه من جهة اليمين.
الألواح التي تصور مشهد «معركة مع الأمازونيات»، وفق الترتيب المعروض تتواصل إلى يمين هرقل، على اللوح الأول على الجدار الطويل، وإلى يسار هرقل، وهذا يشغل الجدار الطويل بأكمله.
صفحة غير معروفة