الزيارة
داخل المتحف وخارجه
تبدأ مقدمة هذا الكتاب بزيارة قصيرة إلى أحد المتاحف. وقد وقع اختيارنا على المتحف البريطاني في لندن، وعلى حجرة منه تحديدا، توجد بها تحفة أثرية بعينها بقيت من العصر الإغريقي. والمتحف مكان يناسب البحث عن الحضارتين الإغريقية والرومانية، ولكن هذه الزيارة ستكون نقطة الانطلاق لاستكشاف التراث الكلاسيكي، والذي يمتد إلى ما هو أبعد من أي متحف وما به من مقتنيات.
سنتبع في زيارتنا المسار الذي حدده لنا الترقيم الموجود على مخطط المتحف الذي يتلقاها زواره، وهو المسار ذاته الذي تتبعه مختلف الأدلة بالتتابع، عبر صالات العرض (الشكل
1-1 ). فسنصعد الدرج الفخم، ثم نمر بالأعمدة الطويلة الموجودة في الشرفة الكلاسيكية، ثم ندلف إلى قاعة الاستقبال، لنمر بمحل بيع الكتب، ثم نمر من خلال جرار حفظ رماد الموتى، وجرار «علي بابا» الضخمة التي تمثل بلاد اليونان في عصر ما قبل التاريخ البطولي (الحجرتين 1 و2)، ثم نمر بأول الأشكال المنحوتة من الرخام القاسي التي تميز بداية النحت «الكلاسيكي» (الحجرتين 3 و4). ثم نسلك سبيلنا عبر المزهريات الإغريقية اللامعة بلونيها الأحمر والأسود (الحجرة 5)، إلى أن نصل إلى أسفل درج ضيق يقودنا إلى خارج المسار الرئيسي. (لم نصل بعد إلى زبدة المعروضات وأهمها؛ ألا وهي منحوتات البارثينون.) وبمجرد أن ننحرف، نجد مفاجأة في انتظارنا.
شكل 1-1: مخطط المتحف البريطاني : كيفية العثور على حجرة باساي.
شكل 1-2: عرض الغنائم: صورة كوكريل للمعبد الموجود في باساي بعد عملية التنقيب.
نصعد الدرج لنصل إلى الحجرة رقم 6، التي هي عبارة عن طابق أوسط يقع فوق صالات العرض الأخرى. ثم نمر أمام صورة مثيرة للمشاعر لأطلال قديمة رسمها نبيل إنجليزي، حرص على إضفاء علامات طبقته وشخصيته على اللوحة؛ بندقيته وكلبه (الشكل
1-2 ). يتبين لنا أن وجهتنا هي حجرة عرض ذات تصميم خاص، بها أضواء وضعت بعناية لتكون مسلطة على سلسلة من ألواح حجرية منحوتة يبلغ ارتفاعها قرابة نصف متر، وضعت متتالية، طرفا لطرف، لتشكل إفريزا (شريطا يصور أجساد محاربين، ورجالا، ونساء، وخيولا، وقناطير ...) يمتد في جميع أنحاء الحجرة عند مستوى النظر. (ليس هناك سنتيمتر واحد شاغر؛ لقد بنيت هذه الحجرة لتلائم ما بها تماما.) وهناك لوحتا معلومات لمساعدة الزائر. ويخبرنا القائمون على المتحف أن تلك المنحوتات كانت ذات يوم تشكل الإفريز، وأنها قد نحتت في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، داخل معبد للإله أبوللو في مكان يسمى باساي في أركاديا، وهي منطقة نائية تقع في الركن الجنوبي الغربي من اليونان. (جميع الأماكن التي ورد ذكرها في الكتاب موضحة على الخرائط الواردة فيه.)
يعرض الإفريز (كذا تقول اللوحتان) مشهدين من أكثر المشاهد شهرة في الأساطير الإغريقية. ويتبين لنا أن نصف هذا الكم الهائل إنما هو لأجساد محاربين في معركة خاضها الإغريق مع القناطير الخرافية التي يتكون كل فرد من أفرادها من نصف رجل ونصف حصان (التي اقتحمت بوحشية وليمة عرس وأفسدتها محاولة سرقة النساء)، وأما النصف الآخر فهم جنود يخوضون معركة بين الإغريق (كتيبة إغريقية على رأسها هرقل نفسه) ومحاربات الأمازون المتوحشات الغريبات غير المتحضرات. تقول المعلومات إنه من أشهر الإنجازات الاثني عشر لهرقل كانت سرقة حزام ملكة الأمازون.
صفحة غير معروفة