ونحن نؤمل أن تقتص العدالة من كل معتد أثيم، وألا تذهب هذه الأرواح سدى، بل يكون في تضحيتها درس يتعظ به الحائدون عن سواء السبيل، سبيل التفاهم النزيه وحسن المعاشرة بين جميع المتساكنين.
وفي الختام ننحني بخشوع وترحم على أرواح هؤلاء الشهداء الأبرياء، داعين لهم بالرحمة الواسعة ومقدمين إلى أوليائهم وإلى كافة الطبقة الشغيلة خاصة، وإلى الأمة التونسية عامة أحر تعازينا وأشمل عطفنا.
وتجددت المعارك الدامية بين العمال والقوات الفرنسية بشركة بوتنفيل الزراعية وبجهات سوق الخميس وسوق الأربعاء وباجة وبرج السدرية، وقد حملت إحدى النسوة العاملات أثر هاته الواقعة الأخيرة جثة وحيدها على يديها وكان شابا لم يتجاوز العشرين من عمره، وسارت به والعمال وراءها إلى أن وضعته أمام قصر الملك بحمام الأنف الذي كان قريبا جدا من محل المعركة، وأخذت تنادي بأخذ حقها من الظالمين، فأطل عليها الملك من شرفته واستفسر الأمر، فلما علم بحقيقة الحادث أدخلها إلى قصره وقبلها في رأسها وأجلسها حذوه ومسح دمعتها وقال لها: إن مات لك ابن فالتونسيون كلهم أبناؤك؛ خصوصا وأنه مات شهيدا في سبيل وطنه ودينه، وما أنا إلا أب لك، فخرجت إلى الملأ وهي تزغرد. (أ) أهداف الاتحاد
أسس الاتحاد على مبادئ نقابية حقيقية يرمي إلى إنجازها، وقد انتصر في تحقيق بعضها، ولكنه يرى أنه يستحيل على العامل التونسي أن يحصل على حقوقه ما دامت بلاده تحت تصرف الأجنبي غير مستقلة؛ فاستقلاله مرتبط ارتباطا كليا باستقلال وطنه. وقد شرح الأستاذ محمود المسعدي في تقرير قدمه لمؤتمر الاتحاد المنعقد بتونس في تلك الفكرة بوضوح تام، قال:
المؤتمر الوطني الرابع
المشكلة القومية والتمثيل الشعبي
أيها الإخوان ...
إن الطبقة العمالية التونسية، وكذلك منظمتها القومية (الاتحاد العام التونسي للشغل) مؤمنة إيمانا راسخا بأن العدل الاجتماعي الذي نريد تحقيقه في أكمل صورة لا يمكن أن يتحقق في نطاق الوضع السياسي الجائر إلا صوريا وجزئيا؛ وذلك لأن الوضع السياسي في حياة جميع الأمم ما هو إلا صورة من الوضع الاجتماعي والاقتصادي السائد فيها، ولأن السياسة هي نظام الحكم العام المسيطر على الشئون الاجتماعية والشئون الاقتصادية، المدبر لأحوال طبقات الأمة المختلفة، والمؤثر على توزيع الثروة القومية بين تلك الطبقات تأثيرا مباشرا، وأي سياسة حكومية لا تشمل الاقتصاد ومشاكل الإنتاج والمعاش والأسعار والأجور؟ وأي مشكلة من المشاكل الاجتماعية كمقدرة الشراء ونظام الشغل وحقوق العمال ونظام الإضراب ... إلخ، خارجة عن مشمولات نظر الحكومات؟!
ثم إن الطبقة العاملة التونسية تعلم من ناحية ثانية أن الأمة كل لا يتجزأ، وأن الذين يعملون على تفريق الصفوف وتمييز طبقة على طبقة وتفضيل فريق على فريق، إنما هم أعداء الأمة من أولئك الرأسماليين والاستعماريين الذين يريدون أن يوجهوا قوة الكفاح في الشعب إلى التطاحن الداخلي والتقاتل بين أقسام الأمة الواحدة لتتخاذل في حملتها ويضعف بعضها بعضا. ولكن الطبقة العاملة التونسية قد أقامت الدليل المرات العديدة على أنها تعلم بالضبط أين مصلحتها ومن هم أعداؤها الحقيقيون ونحو من يجب أن توجه كفاحها المستميت، وعلى أنها متحدة اتحادا كليا مع عامة الشعب التونسي بكافة طبقاته في جهاده نحو العدل والحرية والرقي. والشعب التونسي بدوره قد أدرك ذلك وأكبره في الطبقة العاملة، فقابلها من التأييد لها والاتحاد معها بمثل ما لقيه منها.
وبهذا يتبين لماذا كان كفاحنا الاجتماعي في نفس الوقت كفاحا سياسيا؛ لأن السياسة مسيطرة على الاجتماعيات، فلا تصلح هذه إلا بصلاح تلك، كما يتبين لماذا كان كفاحنا الاجتماعي كفاحا قوميا في نفس الوقت؛ لأن مصلحة العمال جزء من المصلحة القومية العامة، فلا تتحقق الأولى إلا بتحقق الثانية.
صفحة غير معروفة