وألقي القبض من الغد (10 أبريل) على الزعيم «الحبيب بورقيبة» وهو مريض في فراشه.
وصدرت الأوامر من الإقامة العامة الفرنسية بتعطيل الحريات كلها، وحل الحزب الدستوري التونسي، وأعلنت الأحكام العرفية في البلاد.
وانتشر الجيش الفرنسي يقتل، ويعذب، ويعتدي على الناس في الشوارع، ويهاجمهم في بيوتهم، وينتهك الحرمات، ويفسد الأرزاق، ويعيث فسادا.
وغصت السجون والمعتقلات بعشرات الآلاف من الوطنيين، وأخذت المحاكم العسكرية تصدر أحكامها بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والسجن على مئات من التونسيين.
وابتدأت المحنة الكبرى التي دامت خمس سنوات لم يعرف شعب تونس خلالها غير البطش والطغيان. (1-3) المقاومة
ولكن الشعب لم يستسلم، ولم يخنع، بل استمر عدة أشهر في مقاومة شديدة عنيفة دامية؛ لأن عمل الحزب كان عميقا بقدر ما كان منتشرا، وقد بلغت كلمات الحبيب بورقيبة إلى القلوب؛ إذ كانت وصيته التي كررها في كل اجتماع: «ليست الوطنية تصفيقا وهتافا وأناشيد وحضور الاجتماعات في حالة السلم ووقت الراحة، إنما الوطنية عقيدة وإيمان بحق كل فرد في الحياة والتمتع بالحرية والسيادة في بلاده. الوطنية سعي وعمل وصبر وثبات وقت الشدة والكفاح.»
ووجدت المقاومة بعد حين دماغها المسير، وعقلها المدبر ، وبطلها الجسور، عندما رجع الدكتور الحبيب ثامر من فرنسا، فأخذ قيادتها، ونظم الحركة الوطنية خفية، وشكل شعبا للحزب سرية، وجمع الشتات وكتل القوات، وأحدث المواصلات بين الجماعات المكافحة، فكانت نشرات الحزب توزع في يوم واحد في جميع أنحاء القطر التونسي، وازدادت هكذا الحركة انتشارا وشدة حتى اضطرت فرنسا إلى التخفيف من اضطهادها، وصدرت بعض الصحف الوطنية إذ ذاك، نذكر من بينها «تونس الفتاة» وجريدة «تونس».
ولما أزمع رئيس الحكومة الفرنسية إيدوار دلادييه على زيارة تونس ردا على إيطاليا التي أظهرت أطماعها فيها جهرة، اغتنمها الحزب فرصة ليلفت أنظار الرأي العام العالمي لمطالبه في الحرية والاستقلال، وأصدر الدكتور الحبيب ثامر أوامره للشعب الدستورية السرية جميعها، فاقتبل الرئيس الفرنسي بمظاهرات شعبية صاخبة تعلوها اللافتات الكبرى تحمل رغبات الشعب في إطلاق سراح الزعماء والحرية والاستقلال، وتتصاعد منها الهتافات بحياة تونس حرة مستقلة، وحيثما سار إلا وأصمت آذانه صيحات الجماهير، وكانت أروع المظاهرات ببنزرت وباردو وتونس وصفاقس.
وكانت كل مظاهرة تتبعها موجة من الاعتقالات والمحاكمات.
وما شهرت الحرب حتى اشتد الاضطهاد، وعم القمع، فانقلبت حركة المقاومة إلى حركة مقاومة عنيفة؛ فدمرت مصالح الفرنسيين وحرقت ضيعاتهم وقطعت سكة الحديد مرارا وتكرارا، وكذلك أسلاك التليفون وأعمدته ووسائل المواصلات وخاصة التابعة منها للجيش الفرنسي.
صفحة غير معروفة